هذه هي أسباب الخلاف بين الحكومة وطلبة الطب
هوية بريس – متابعات
بشكل صارم، حسمت الحكومة، الخميس 22 فبراير 2024، في موضوع إضرابات طلبة الطب مؤكدة أن الحوار وصل إلى الباب المسدود، بعد شهور من الاجتماعات التي أحاطت بها إضرابات ومقاطعات، قبل أن تعلن اتخاذها إجراءات لضمان إجراء الامتحانات ومواصلة الموسم الجامعي، في وقت يتشبث الطرف الآخر بموقفه الرافض لهذا التوجه الحكومي.
* كيف بدأت قصة الشد والجذب بين الطرفين؟
كانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أكدت على أن هناك ضرورةً تستدعي تقليص مدة الدراسة في كلية الطب والصيدلة من سبع سنوات إلى ستة، بمبرر أن ذلك سيرفع من عدد الأطباء الخريجين، خصوصا في ظل الإجماع على أن المنظومة الصحية تعاني خصاصا كبيرا.
ولتأكيد العزم على تنفيذ هذا التوجه، أصدرت الوزارة، في فبراير 2022، مذكرة إلى عمداء الكليات تؤكد فيها على خفض سنوات الدراسة من 7 إلى 6، وهو ما العلاقة بين طلبة هذه الكليات وهيئات الأطباء مع الوزارة تدخل في شد وجذب.
وفي مذكرتها، أشارت الوزارة إلى أن الحكومة وضعت استراتيجية وطنية للارتقاء بالمنظومة الصحية، تهدف بلوغ معايير التأطير الصحي المحددة من طرف المنظمة العالمية للصحة في أفق 2025، بما يتماشى مع أهداف النموذج التنموي الجديد.
وحملت الوزارة مقترحها هذا ووضعته على طاولة النقاش مع عمداء الكليات، الذين أجمعوا، كما تقول الوزارة، على أنه يمكن حذف سنة من التكوين لتوفير عدد كاف من الأطباء في أفق سنة 2025 بما يتماشى مع أهداف ورش تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.
وهذا المقترح، الذي تنخرط فيه أيضا وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أكد على أنه سيُطبق ابتداء من الموسم الجامعي 2023، على طلبة السنوات الأربع الأولى، فيما سيُكمل طلبة السنتين الخامسة والسادسة مسارهم إلى سنة سابعة.
وأكد المقترح أنه لإنجاح هذا التوجه سيتم رفع عدد المقاعد المخصصة للطلبة في كليات الطب، عمومية وخاصة، من 5060 إلى أزيد من 11 ألفا في أفق الموسم الجامعي 2028/2027. وقد بدأ ذلك في الوسم الجامعي 2022/2023 حيث تم رفع المقاعد بنسبة 40 في المائة.
ووفق آخر أرقام وزارة التعليم العالي، سجل الموسم الجامعي 2022-2023 ما يقارب 5060 طالبا، فيما ترمي استراتيجيتها إلى تسجيل 11170 طبيب في أفق الموسم الجامعي 2028-2027.
كما أن استراتيجيتها تراهن على الانتقال من 2092 خريجا في السنة، إلى أزيد من 6500 سنة 2025، وإلى 8770 سنة 2030، وتجاوز 25 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة (معدل منظمة الصحة العالمية).
* تفاصيل التكوين في ست سنوات
بحسب قرار وزير التعليم العالي والبحث والعلمي والابتكار، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 7177 (13 مارس 2023)، تمت المصادقة على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لدبلوم دكتور في الطب، يتم العمل به ابتداء من 2022-2023 باستثناء طلبة السنوات 5 و6 و7 المسجلين بانتظام لتحضير دبلوم دكتور في الطب قبل هذا التاريخ (مارس 2023).
المصدر نفسه يشير إلى أن تكوين دبلوم في الطب يستغرق اثنى عشر فصلا بعد الباكالوريا في إحدى المسالك العملية موزعة على ثلاث مراحل، فبنسبة للمرحلة الأولى تستغرق مدتها أربعة فصول بعد الباكالوريا في أحد مسالك الشعب العلمية أو دبلوم معترف بمعادلته لها وتتوج بدبلوم الدراسات العامة في العلوم الطبية. وبخصوص المرحلة الثانية، تستغرق فصلين بعد دبلوم الدراسات العامة في العلوم الطبية، أما المرحلة الثالثة تستغرق ستة فصول بعد دبلوم الدراسات الأساسية في العلوم الطبية، وتتوج بدبلوم دكتور في الطب.
وفي ما يتعلق بالتداريب، فهي تشمل تدريب الانغماس في النظام الصحي الذي ينجزه الطالب في الفصلين الأول والثاني، وتدريب الانغماس في الطب الاجتماعي في الفصلين الثالث والرابع والذي تستغرق مدة كل تدريب منهما ثلاث أسابيع.
أما التداريب السريرية خارجية لنصف الوقت، التي تشمل تداريب أساسية في الطب والجراحة وأمراض النساء والتوليد وطب الأطفال، مدة كل تدريب هي 44 يوم على الأقل، إذ هناك تدريب سريري أساسي مدته 22 يوما، وتداريب تكميلية مدتها أيضا 22 يوما، ناهيك عن تداريب داخلية لكامل الوقت تنجز خلال الفصلين الحادي عشر والثاني عشر وتعادل 6 وحدات في كل فصل.
كما يجتاز طلبة السنة السادسة امتحانا سريريا في كل من الطب والجراحة وأمراض النساء والتوليد وطب الأطفال، بهدف تقييم الكفايات المكتسبة.
* ماذا عن الطرف الآخر؟
بالموازاة مع سير الحكومة نحو توجهها هذا، كان طلبة كليات الطب والصيدلة يعبرون في كل مناسبة عن رفضهم، لاعتبارات عديدة.
عبر كل البلاغات التي بدأت تصدرها اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان بالمغرب، منذ 2022، والتي تتشبث بأنها “الممثل الشرعي” للطرف الثاني في الموضوع، ظلت تؤكد على رفضها خفض السنوات، وأيضا ضرورة الاستجابة لنقط ترى أنها ذات أولوية قبل الحديث عن خفض السنوات إلى ست، أبرزها أن تخفيض مدة التكوين دون العمل على إعداد السلك الثالث “لا يشكل حلا بحد ذاته”، وأنه “يطرح إشكالا إضافيا في ما يخص توجيه الطلبة واختياراتهم بعد الست سنوات”.
أما بخصوص الرفع من عدد المقاعد المفتوحة في وجه الطلبة الجدد، والذي ترى فيه الحكومة هدفا لمواجهة الخصاص، يرى الرافضون أنه سيخلق مشاكل على مستوى ميادين التداريب الاستشفائية، أبزرها الاكتظاظ وخلق إشكالية في التنسيق الناجع بين قطاعي التعليم العالي والصحة في ما يخص التكوين.
يثير الغاضبون من قرار الحكومة مسألة جودة التكوين، إذ يرون أن خفض السنوات سيُقلل من جودة الدبلوم ومدى الاعتراف به دوليا، ناهيك عن أنه لا يمكن تخفيض سنوات التكوين دون الانتهاء من هيكلة السلك الثالث ووضع تصور واضح حول طب الأسرة.
وموازاة مع هذه البلاغات الغاضبة، كان يدخل طلبة كليات الطب في إضرابات وإنزالات وطنية، ويقاطعون الدراسة والامتحانات.
ومما زاد من حدة غضبهم تجاه الحكومة، هو إخراجها دفتر الضوابط البيداغوجية لدبلوم الدكتوراه في الطب في الجريدة الرسمية بتاريخ 20 شعبان 1444 الموافق لـ13 مارس 2023 والذي يقضي بتقليص سنوات التكوين من 7 إلى 6 سنوات، إذ خرجوا ببيان اعتبروا فيه أن إخراجه “في غياب تصور واضح وتوافقي حول السلك الثالث وبدون الإجابة عن الإشكالات الكثيرة التي يطرحها هذا التقليص، مع عدم إشراك اللجنة كما تم الاتفاق عليه”.
هاجسٌ آخر عبّروا عنه في خضم الملاحظات التي يسجلونها، يتعلق بالقيمة القانونية للدبلوم في ما يخص الحق في الممارسة مع التمكين المباشر من الرقم الاستدلالي 509، والقيمة المعنوية للدبلوم المتمثلة في الاعتراف الدولي الذي سحب في نهاية سنة 2023 من الكليات المغربية، إذ قالوا إنه تم ذلك في غياب طلب اعتماد من أغلب الكليات.
كما سجلوا أن تخرج دفعتين في السنة نفسها سينتج عنه مشاكل في ما يخص تأطير الأطروحات والاندماج في الوظيفة الصحية، وطالبوا بوقف الزيادة في أعداد الوافدين الجدد بالنسبة لجميع الشعب، لأنهم يرون أن ميادين التداريب الاستشفائية والموارد البشرية غير كافية لاحتواء هذه الزيادات، وبالتالي يجب توسيعها عبر خلق وحدات استشفائية جامعية.
* الحكومة: لا رجعة في القرار ولن يمس الجودة
إلى غاية أمس الخميس 22 فبراير 2023، ظلت الحكومة تشدد على أن هذا القرار لن يمس بمصداقية وجودة الدبلوم، وبأنه لمّا وصلت المفاوضات مع الطلبة إلى “الباب المسدود”، كان عليها أن تتخذ قرارات، إذ أكدت أن الامتحانات، التي يقاطعها عدد من الغاضبين والتي تأخرت عن موعدها شهرين، ستستمر ومباشرة سيبدأ الفصل الثاني.
وطالما خرج الوزير عبد اللطيف ميراوي، في ندوات وأمام قبة البرلمان، ليؤكد أن هذا الإصلاح يدخل ضمن ورش تعميم التغطية الصحية، وأنه جاء بعد إجراء تقييد داخلي لجودة التكوينات، مُنجز من قبل لجنة خبراء. (snrtnews)