المجاعة في غزة.. د.الودغيري: الجريمة التي لن تغفرها الأجيال
هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري
المشاهد التي تعرضها القنوات الفضائية لأبناء غزة وهم يتجارَون بأوَانيهم وأوعيتهم الفارغة نحو مساقِط الفُتات الذي تُلقيه في البر والبحر مظلات الأمريكان، بعد أن أمطَرَتهم بالقنابل والمتفجّرات، صُورهم وهم يتجمَّعون ويتدافعون للحصول على غَرْفة أو غَرفَتين من حساء، يُراد من وراء توزيعها على العالم إذلالُ أبناء هذا الشعب المجاهد الذي قهَر جيش العدو لأول مرة في تاريخه، بإظهاره على هذه الحالة المُفزِعة من الحاجة والعَوَز والضعف والهوان، ويستعملونها للضغط على المقاومة لإلقاء السلاح والهرولة نحو قبول شروط أكثر إهانةً وإذلالاً.
نرى هذا فيعتصر الألمَ قلوبَنا، وتتحجَّر الدموع في مآقينا. ليس من أجل هذه المشاهد القاسية فحسب، بل لكون أكثر من مليار ونصف مسلم تُحاصرهم جيوشُهم الرسمية داخل حدود بلدانهم ولا يملكون فعلَ شيء لإخوانهم في غزة. ذلةٌ ما بعدها ذلة.
صور هذه الآلام والإهانات الجارحة للإنسانية كلها تختزنها ذاكرة أطفال غزة وفلسطين عمومًا، وذاكرة أطفال العالَم الإسلامي أجمع، لن يغفرها الزمانُ، وسوف تورِّث مع الأسف كل مشاعر الحقد التاريخي والكراهية الدائمة، وتنمّي روح الانتقام لأجيال بعد أجيال ممن سينهضون يومًا ليثأروا لآبائهم وأمهاتهم مهما طال الزمن. كيانُ العدو المحتل لا يحسب لهذا اليوم حسابا، لا يعرف أنه بهذه الوحشية التي عزَّ نظيرها يؤسس لمستقبل مُظلم لأـبنائه وأحفاده، ويبذر بذور الشر والألم في طريق الأجيال القادمة، وهو ما سيحرم هذا الكيان من الاستقرار أو الإحساس بلذة العيش يوما أو النوم ليلا.
كانت أمام إسرائيل فرصة نادرة للعيش بسلام بجانب الكتلة العربية، وهي فرصة معاهدة السلام التي وُقِّعت مع المرحوم ياسر عرفات، لكنهم ضيّعوها بغدرهم وتنكّروا لها، وتحمّل الفلسطينيون وحدهم وِزرَها وتبعاتها.