رمضان بين التفاهة المستقبحة والتفاهة المستساغة
هوية بريس – يونس بن الحسن الناصري المراكشي
إن من شقاوة هذا الزمان بأهله، أن يُبتلَى بأقوام لا ينكرون منكرا، ولا يعرفون معروفا، يدورون حيث دارت الغوغاء، ويميلون مع أي فتنة هوجاء، لا هَمَّ لهم سوى البطنةِ والطرب، ويرضون من الجِدِّ والعلم بأدنى الرُّتب.
فتراهم يهيجون ضد الفساد والغلاء، ويَشكون الظالمين لرب السماء، مُقرِّين بما هم فيه من بأس وشقاء، ينتقدون آلة الإعلام الجهلاء، ساخطين على ما تبثه من هراء، وما في طيَّاته من استحمار واستغباء.
لكنْ بقدرة قادر في شهر رمضان، شهر العِلم و التوبة والغفران، تنقلب موازينُهم وهم على موائد إفطارهم، فيخلطون بين مَلء البطون بما لذ وطاب، وبين حشو العقول والنفوس بما فسد وخاب، مِن مسلسِلات مضحكة مبكية، وبرامج سخيفة بالألباب مُنكية.
والعجب أن جماهير المشاهدين استنكروا مسلسِلا أزرى بالمعلم واستحقره، ولقبه مرارا بأوصاف الحمير المسنفَرة، وسلَّم رقبَتَه زوجة تسومه إذلالا، وأُمًّا متسلطة تُنكِّل به نكالا، واصفةً إياه بالبرغوث اللازق بالدولة.
ولا ريب أن استنكارهم في محله؛ إذ قبحُ المسلسِل بادٍ في دِقِْه وجِلِّه، بيد أنهم في المقابل، ولَّوا وجوهَهم شطرَ تفاهة أخرى استساغوها، بشهادة دكتوراهٍ لصاحبها سوغوها، كأن الشواهد العليا مبرر للتفكه بالتفاهة، والعلمَ أضحى مُهوِّنا من شأن اللهو والسفاهة!!!
كل هذا في شهر جليل معظَّم، وقتِ العبادة والوِرد القرآني المنظَّم، وتدبر أسرار الشرع الحنيف المحتَّم، فما أسعد إبليسَ اللعين باجتهادهم؛ حيث قُيِّد قَدَرا هو وبنوه، تاركا سفهاء البشر ليَخلُفوه، فكانوا حقا له مخلصين، ولأعمالهم الدمارية (مقلوب الدرامية) متقنين.
هذا ولا ننسى أن في المغرب رجالا، لا يرضون التفاهتين حالا، ولولاهم ما زبرتُ مقالا، كثر اللهُ في البلاد سوادَهم، ونفع عمومَ الناس بهم.