التقويم «الأمازيغي» الوهمي وخرافة سنة 2964
محمد أقديم
هوية بريس – السبت 18 يناير 2014م
إن التقاويم أو التقويمات الموجودة حاليا، عندما نقول بأنها تاريخية وأصيلة وعريقة، فهذا يعني أن شعوبا ما في إطار صعودها ونهَضاتها الحضارية في مراحل تاريخية معينة، عند ما وعت ذاتها الحضارية وتميزها الثقافي عن الآخر المعاصر لها أنذاك، تبنَّت وتوافقت حول تقويم تاريخي ما، ووضعت له حدثا تاريخيا بارزا ومجيدا وفاصلا في تاريخها، كبداية لذلك التقويم، وهذا الحدث المجيد الفاصل الذي غالبا ما كان ذا طابع ديني أو سياسي (التقويم المصري القديم – التقويم العبري – التقويم الصيني – التقويم الفارسي – التقويم المسيحي – التقويم الاسلامي..).
وأقدم تقويم عرفته البشرية هو التقويم المصري القديم (التحوتي المقدس)، كما ذكر ذلك المؤرخ المصري القديم “مانيطون”، في السنة الأولى من حكم الملك “حور عما” “ابن الملك “مينا” ويوازي ذلك سنة 5557 قبل الميلاد، وقد كان رأس السنة في ذلك التقويم هو يوم 19 يوليوز من التقويم الميلادي الحالي.
وقد انتقل الاحتفال بهذا العيد من مصر الى حضارات الشرق، كما انتقل هذا التقويم المصري الى أوربا القديمة، حيث قدمته الملك كليوباطرا الى الامبراطور يوليوس قيصر، وكُلِّفَ بنقله الى الرومان العالم المصري سوسيجين، ليحل محل تقويمهم الذي كان قمريا، حيث أطلقوا عليه اسم التقويم القيصري نسبة الى القيصر يوليوس. وقد عملت أوبا بهذا التقويم قررونا من الزمن، حتى أقدم البابا كريكوار الثالث بتعديله سنة1852 للميلاد، وجعل بداية السنة فيه هي فاتح شهر يناير، خمسة أيام بعد يوم ذكرى ميلاد المسيح، وسمي بالميلادي لكونه متزامنا مع الاحتفال بعيد ميلاد المسيح كما حددته الكنيسة الكاثولكية، ليعمم بعد ذلك في العالم خلال مرحلة المد الاستعماري، حيث تحول الى تقويم مدني بدون حمولة دينية. ولعل أحدث هذه التقاويم هو التقويم الهجري الاسلامي، الذي يعتمد الشهور القمرية في حساباته.
ومما يبين عراقة هذه التقاويم وأصالتها التاريخية هو تأريخ الشعوب والأمم التي تبنَّتْها للوقائع ولأحداث التي عرفتها في مسارها التاريخي بهذه التقاويم، حيث استعملت أيامها وشهورها وسنواتها في تدوين وتوثيق تلك الأحداث والوقائع، ولذى نجد مصادرها التاريخية القديمة زاخرة بالوقائع والأحداث التي أُرخت ووُثِّقَت بهذه التقاويم.
وإذا بحثنا في المصادر التاريخية التي أرخت ووثقت تاريخ الأمازيغ فلا ذكر فيها لهذا التقويم الوهمي، ولا أيامه ولا شهوره ولا سنواته، حيث لم أَثر ولا ذكر في تلك المصادر التاريخية ولا في الحفريات الأركيولوجية عن أحداث أو وقائع تاريخية أرخت بهذا التقويم المسمى باطلا أمازيغيا. إذ ليس هناك في المصادر التاريخية، لا القديمة ولا الوسيطة ولا الحديثة، لا وجود في المصادر الفينيقية ولا الاغريقية ولا الرومانية ولا العربية، ولا في القرائن الأثرية لما يشير أو يوحي الى أن الأمازيغ قد سبق لهم أن أرخوا بهذا التقويم، الى غاية السبعينيات من القرن الماضي، حيث سيبدأ النقاش حول هذه المسألة في الأكاديمية البربرية بباريس. وليس هناك ولو حدث تاريخي واحد أو واقعة تاريخة واحدة أرخت بهذا التقويم قبل التسعينيات من القرن الماضي. ولم نعثر في أي مصدر تاريخي، عن سنة سقوط حاكم في شمال افريقيا أو وقوع معركة بها أو كارثة طبيعية ما مؤرخة بهذا التقويم، ولو في مرحلة حكم ما يسمى بالممالك الأمازيغية في العهد الروماني، مع ماسينسا ويوغوطة ويوبا وبطليموس، بل حتى أولئك المؤرخين أو الشخصيات البارزة في ذلك التاريخ القديم، والتي ينسبها البعض للأمازيغ باطلا (أوغسطين، أبوليوس، دوناتوس، تورتوليان…) لم يؤرخوا للأحداث والوقائع التي أوردوها في كتاباتهم بهذا التقويم، بل أكثر من ذلك أن تلك المعركة التي جُعِلَتْ بداية لهذا التقويم المُخْتَلَقُ، والتي خاضها الملك شوشانغ الليبي (الأمازيغي)، والتي هزم فيها الفراعنة، والتي وقعت سنة 950 قبل الميلاد، لم ترد في أي مصدر تاريخي بهذا موثقة بهذ التقويم على الإطلاق.
أما الاحتفال برأس السنة كما هو متداول ومتعارف عليه في المغرب وفي شمال إفريقيا، فإنه لا ينهض حجة تاريخية ولا قرينة واقعية على وجود تقويم تاريخي “أمازيغي”، مع العلم أن القبائل العربية البدوية هي الأخرى تحتفل برأس السنة هذه، وتسمى “حاكوزة” بما في ذلك أهل فاس، ولعل “يومية بوعياد”، للحسن بوعياد، وهو فاسي بالمناسبة، أكبر وأهم مظهر لذلك، وهي اليومية العريقة والمعروفة بضبطها لـ”المنازل” المناخية والفصول والشهور السنوية كما هي متعارف عليها في الأوساط الشعبية البدوية المغربية، ويختلف اسم “رأس السنة” الفلاحية هذه في المغرب من منطقة إلى أخرى.
فمسألة اختراع تقويم وربطه بواقعة تاريخية قديمة، واقعة هي نفسها لم يُؤَرَّخُ لها بهذا التقويم الوهمي، بل مُؤَرخَةُ أصلا بتقويم آخر غير هذا التقويم الجديد المختلق، الذي جُعِلَتْ بدايته سنة 950 قبل الميلاد، بناء على عملية حسابية ماتيماتيكية سهلة، يتوهم مختلقوها أنهم بذلك “يصنعون” التاريخ ويغيرون مجراه، ويؤسسون لهوية مخالفة ومكتملة الأركان، ويبنون لمجد تاريخي وهمي بدون أبطال حقيقيين، وهنا نستحضر سبق العقيد معمر القذافي سَلْكَ هذا المسار الخرافي، عندما توهم بسببِ مرض جنون العظمة أن عملية “تغيير التاريخ” ليست سوى تغييرا للتقويم وتغيير لأسماء الشهور. التي ليست بدورها الا عملية حسابية وهي احداث تقويم مخالف للتقويمات المعروفة، فوضع تقويما يبدأ بوفاة الرسول وليس بهجرته، كما اخترع أسماء جديدة لنفس الشهور التي يعد بها الناس أصلا، وأطلق عليها الأسماء التالية:( أي النار 1النوار 2 الربيع 3 الطير 4الماء 5 الصيف 6 ناصر 7 هانيبال 8 الفاتح 9 التمور 10 الحرث 11 الكانون 12)، وبذلك “غير” التاريخ ليس بالإنجازات العظيمة، وإنما بتغيير التقويم وشهوره.
العجيب في الأمر هو عندما يطالب البعض بدون حياء بترسيم هذا الوهم ترسيخا لهذه الخرافة. مخطئ كثيرا من يتوهم أنّ اختراع تقويم زمني خرافي لا أصل ولا فصل له، وأنّ جَعْلَ سنة بدايته أقدم من سنوات بداية كل التقاويم التي تؤرخ بها الشعوب حاليا، سيكسبه عراقة حضارية وأصالة تاريخية، فكل شيء يمكن الكذب والتمويه عليه إلا التاريخ فهو كاشف للحقيقة وفاضح للمموهين والمتوهمين.