الصمدي يكتب: في ترشيد خطاب التربية الإسلامية
هوية بريس – د.خالد الصمدي
كشف التداول في موضوع السؤال المعلوم عن حاجة ماسة إلى ترشيد الخطاب التربوي في مادة التربية الإسلامية بالجمع بين القواعد الشرعية والقواعد التربوية، وخاصة في موضوعات بعينها مثل كيفية التعامل مع قضايا الواقع في المادة، وايراد الرأي المخالف في القرآن والسنة وكيفية الاستفادة من منهجية التعامل معه، وحاكمية الواقع على النص او النص على الواقع وغير ذلك من القضايا.
وأول قاعدة في ذلك يقتضيها السياق والمقام إناطة الأحكام ومواقف الشرع بمفاهيمها.
فالاحكام في الشريعة الإسلامية مرتبطة بدقة بمفاهيمها ومصطلحاتها الدقيقة، فالزاني ليس هو اللامس ولا القاذف، والسارق ليس هو النباش ولا النشال، والمنافق غير الكافر.
فكل فعل يعبر عنه في الشرع الحكيم بمصطلح دقيق من القرآن أو السنة أو اجتهاد دقيق من الفقهاء في تعريفه وحده بأوصاف ومؤشرات دقيقة وبه يتعلق حكمه لا بغيره.
وبتغيير المفاهيم عن أصلها تفقد مقصودها وبتحريف الكلم عن مواضعه ينفصل عنه حكمه، وأولى خطوات تعطيل الأحكام الشرعية فصلها عن مفاهيمها، وأي تعبير عن حالة ما بغير تعبير الشرع يقتضي الاجتهاد في إناطة الحكم بها في إطار اجتهاد التنزيل كما هو معلوم وإلا سيكون مدخلا للتمحل والتأويل، وهذا ليس مقدورا لكل أحد بما في ذلك الاستاذ فكيف بالتلميذ.
تعويض مفهوم بمفهوم بدعوى وجوده في الواقع تحريف للكلم عن مواضعه، وإخراج لمصطلح القرآني من التداول والإعمال والالقاء به الى بطون التاريخ والإهمال، فمن قال إن أحكام الشرع ومواقفه من فعل “الزنا” ينسحب على كل مفهوم أطلقه البعض في ساحة التداول للتشويش على المفهوم الأصيل وفصله عن حكمه مستقبلا بدعوى أن هذا الذي يتحدث عنه هو غير الزنا، وبالتالي لا حكم له في المصادر الشرعية.
سموا الاشياء بسمياتها الأصلية حتى تناط بها أحكامها الشرعية وتعرف مواقف الشرع منها وتظل في ساحة الإعمال عوض الإهمال، ولا تستهينوا بتغيير كلمة بكلمة في وضعية تقويمية معينة فقد يكون هذا مدخلا لبداية بث المفاهيم الدخيلة وإهمال الأصيلة في تأليف الكتب المدرسية للمادة بحجية وجود سوابق، وسيقول لكم البعض بعد ذلك : الأحكام الشرعية كانت مرتبطة بأفعال لم تعد موجودة في واقعنا فلم تلزمون الناس بها؟
فالمعركة تبدا بالفصل بين المفاهيم وأحكامها، فلا تستهينوا بالخطوة الاولى.
التعامل مع الرأي المخالف في القرآن الكريم
احتج البعض في تبرير نازلة تبديل المفهوم الأصيل بالدخيل في سؤال مادة التربية الإسلامية بأن القرآن الكريم أورد أقوال المخالفين من الكافرين والمشركين والمنافقين ورد عليها بالدليل والحجة والبرهان وفي ذلك إقرار للحق في الاختلاف وتدريب التلاميذ على استثمار آلياته في الحوار والجدال والحجاج.
وكل هذا قول صواب، إلا أن في الاحتجاج به في نازلتنا خلط واضح بين ايراد الفكر المخالف والرد عليه، وتحريف الكلم عن مواضعه بتبديل الأصيل بالدخيل وبينهما فرق كبير.
فالقرآن الكريم لا يفتأ في غير موضع يورد آراء المخالفين ويرد عليها ومن ذلك قوله تعالى “وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء“، وقوله تعالى “وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل عباد مكرمون” وأمثلة ذلك كثيرة مما لا زلنا نقرأه ونتعبد به من خلال إيراده والرد عليه بمنهج القرآن الكريم وسنة النبي الحكيم.
ولكن القرآن الكريم في نفس الوقت حذر تحذيرا عظيما من تحريف الكلم عن مواضيع وتسمية الاشياء بغير مسمياتها لما في ذلك من خطر داهم على تغيير المفاهيم ومن ثم تغيير السلوك والممارسة، ويكفي في ذلك مثالا أن اول وسوسة للشيطان في الجنة لادم عليه السلام وزوجه كان تسويق مفهوم فاسد مزيف نتح عنه سلوك فيه عصيان قال تعالى “وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ” فجاء إبليس إليها بقول محرف ووصف مزيف لنفس الشجرة فسماها شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى، قال تعالى ” فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ“.
وقال تعالى “فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ” فانحرفت حقيقة الشجرة بين الأصيل والدخيل في أذهانهما فنتج عن ذلك انحراف السلوك “فأكلا منها” ولا زال آدم وذريته يؤدون ثمن هذا الانحراف في المفهوم إلى اليوم بعد الطرد من الجنة لحكمة يعلمها رب العزة.
الخلاصة أن الأمر في نازلتنا لا يتعلق بالموضوع الأول أي إيراد الفكر النقيض والمخالف والرد عليه، فلتدبيره قواعد وأدوات واضحة، إنما يتعلق بالثاني أي تحريف المفهوم الأصيل وتبديله بالدخيل وفي ذلك من الخطورة ما لا يخفى فلا مجال للخلط بينهما في نقاش الموضوع ولا في خطاب التربية الاسلامية بحال.