رأي مغربي في غزو اتوات
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
في العدد الأول من (مجلة archives marocaines) قدمنا مقتطفات من مخطوطة مجهولة المصدر مؤقتا، حول تاريخ المغرب المعاصر، وفي الوقت الذي يطلق فيه عنان الخيال لما يفكر فيه المغاربة، أو لا يفكرون حول الاتفاقيات الأخيرة، بدا لنا مفيدا للاهتمام، أن نستعير -من نفس العمل لأغراض التوثيق- فقرة تتعلق باحتلال اتوات.
وهي لشخص مجهول من مدينة فاس، يظهر فيها منهجا تاريخيا، وروحا نقدية، تختلف كثيرا عما نلاحظه عند معظم المؤرخين المغاربة، حتى نظن أن استقلالية أحكامه، تعبر عن شعور عام، لا تقل حدته، عما تتصف به سياسات المخزن المتميزة، بتشككها في التحالفات الخارجية.
وعلى الرغم من أنها لا تمثل سوى رأي خاص بفرد منعزل، من الطبقة الذكية، والمتعلمة، في المجتمع المغربي، إلا أننا لن نخطئ في تقدير قيمته الحقة، لأنها وثيقة لرأي تمت صياغته بوضوح.
*** قصة غزو كُصُور اتوات من قبل الفرنسيين
(نقلا عن الترجمة الفرنسية للنص العربي)
في سنة 1317/1899 استولى الفرنسيون على جميع اتوات، وبلاد المسلمين المحيطة بها، بعد معارك مع بعض سكانها.
وسألنا الوزير أحمد بن موسى، عن ماهية أسباب هذا الإستيلاء، مع أن سكان هذه الكصور كانوا من رعايا المغرب الأقصى، وأنه كان هناك حد بين الدولتين، وأن هناك هدنة بين الحكومتين منذ زمن طويل.
وكانت جارية سيادة العامل المعين عليهم من قبل السلطان، لجباية الضرائب منهم، وإقامة العدل بينهم، وهي حجة قطعية عن سيادة السلطان عليهم، واندراج سكانها في الإمبراطورية الشريفة.
كما كانت خطب علمائهم على منابر المساجد، تتم باسم السلطان، في صلاة الجمع والأعياد، على عادة بلاد المسلمين، كدليل على معرفة الناس بخليفتهم، ولجوئهم لطلب حماية حكومته.
المتكفل بالحكومة الفرنسية، حمل كجواب للفرنسيين بشأن الحجتين المذكورتين:
في أن الحكومة المغربية لم تقم بتفعيل سلطة العامل هناك، إلا في بداية سلطنة مولاي عبد العزيز، بتحريض من الوزير، عندما أدرك هذا الأخير، ضرورة عبور الفرنسيين لهذه الكصور، للوصول لمواقعهم في السودان، وأن تلك الكصور كانت في حالة من الفوضى، دون أن يكون عليها تأثير، أو سيادة.
وأما الخطبة على منابر المساجد، وإقامة الصلاة باسم سلطان المغرب، فيمكن تفسيرها بعادة المسلمين في الدعاء للإمام الأقرب إليهم، ولا يمكن أن تكون حجة صالحة للسياسية.
وبعد أن رفض الحجتين اللتين ذكرناهما، احتكم لحجتين أخريين: الأولى أن المعاهدتين المعقودتين بين الحكومتين في زمن مولاي عبد الرحمان، إثر معركة وادي إسلي، على حدود منطقة وجدة في لقاء سنة 1260/1844 (والذي في الحقيقة تم في 18 مارس 1845)، ونص على أن بلاد الصحراء أرض موات، وأنه ليس لأي من الحكومتين سلطة عليها، فهي أراضي رعوية لمن يريد رعي قطعانه بها، ومن استطاع حراثتها وإحياء مواتها فهي ملكه.
الثانية تستند إلى أن المعطيات الجغرافية تقول بأن كصور اتوات، توجد في خط الطول للمغرب الأوسط وفي صحرائه خارج خط طول للمغرب الأقصى، وبالتالي فإنه ينتمي للمغرب الأوسط، وأن محاولات حكام المغرب الإستيلاء عليها، ما هو إلا اغتصاب بالعنف.
سكان هذه الكصور انفصلوا عن المغرب، وظلوا في حالة من الفوضى، كما يدل على ذلك المعاهدتين المذكورتين أعلاه، المعقودة مع المولى عبد الرحمان، والتي نصت فيها على أن الصحراء أرض لا مالك لها، كما قلنا سابقا.
ونرى بوضوح في هذه المعاهدة أننا أغفلنا ضم كصور اتوات إلى ملكية الحكومة الشريفة، وأننا حرصنا على عدم استبعادهم من المناطق المأهولة الأخرى بالصحراء، كما فعلنا مع كصور فكيك، وكصر عيش، مع أنها أهم من فكيك، وأجدر منها على مستوى السكان والمساحة.
وعندما دققت في الأسباب التي قدمتها الحكومتان وجدت أن حجج الفرنسيين يستمدونها من أنفسهم، لذلك فهي أقوى لأنهم، لا يغفلون أي شيء يمكن أن يدعمها، في حين أن حجج الحكومة العلوية، تفقد قوتها وقيمتها، من خلال عدم قدرتها على دعمها، نتيجة إهمالها السياسي، الذي يفتقر إلى اليقظة الدائمة، لصد هذه المزاعم.
إن عجز حكومة الشرفاء العلويين، يرجع لذلك الإهمال، على سبيل المثال: روح المصالحة، وعدم الإهتمام بأرض الصحراء، وسكانها، هو في مجمله، ما دفع مولاي عبد الرحمان لقبول الشرط موضع البحث، المفتقر للحكمة، بحيث لم يستبعد من الصحراء أقاليم اتوات، كما استثنى أقاليم فكيك، وكذلك اعترافه بأن الصحراء أرضا حرة، دون أن يستبعد هذه الأقاليم، بتعيين حدود ظاهرة بين الدولتين، مع ذكر أماكن السكن والتجوال. فاتوات أكثر أهمية من فكيك، وبعدها عن المغرب الغربي، لبعدها عن المغرب الغربي، وقربها من المغرب الأوسط، أدعى لاستثنائها، والحرص عليها.
كما أن واضع البروتوكول الذي هيأ لإبرام هذه المعاهدة، لم يلفت الإنتباه إلى التمييز بين الجزء من الصحراء، الذي يترك للرعي، تحت تصرف من يرغب فيه، وبين الجزء الذي يجب وضعه تحت سلطة الحكومة المغربية، وإدراجه ضمن كافة أقاليمها.
ولو أنه لاحظ ذلك لما قدم الفرانسويون أي حجة لفهم في عمومية منافذ اتوات التي تركت خالية من الصحراء ولم يكن من الممكن بأي حال من الأحوال اختراقها من هذه المنافذ.
ومثال آخر على هذا الإهمال هو افتقارهم إلى العزيمة والسلطة في الدفاع عن مصالح المسلمين، وتثبيت حدودهم، وإلا فكيف يجوز لرجل دولة أن يرسل واليا إلى إقليم توات مكان يتنازع عليه العدو قريب من حدوده خال من القوة العسكرية وهو يعلم جيدا ضعف سكانها، وعيب استعدادهم، وقلتهم العددية، ومن ناحية أخرى قوة الدولة التي تثير الاحتجاجات حول موضوعها أن اختراقها ضرورية حتمية بالنسبة لها، فاتخذت قرارها للسيطرة عليها.
فلو كانت هناك قوة عسكرية في هذه المناطق لحمايتها لقدمت الدعم لسكانها، وعندما بسط العدو حجة وعززها بالتردد على المكان، لأن المعاهدة السابقة لم تقتص رسم الحدود، لم يكن بوسع أسرة الشرفاء إلا أن تظهر ضعفها وعجزها السياسي.
هذا العجز لا يزال يأتي أيضا من فكرة أن حكومتهم لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن حكومات الدول الأوروبية، هكذا ظن مولاي عبد الرحمان رحمه الله، أن الفرنسيين لم تكن لهم فكرة زراعة الصحراء، وتوجيه أنظارهم نحو هذا البلد، لقلة الربح الذي يمكن أن يجنوه نتيجة قلة الماء، وشدة الحر والبرد، كما أبدى روحا تصالحية عميقة، بقبوله هذا البلد من دون تحقيق، ومن دون إثارة استثناء، ومن دون التفكير في عواقب هذا الاتفاق على حكومته.
ونضيف أخيرا أنهم كانوا يعتمدون كثيرا على صلابة هذا الثالوث، وأن لديهم ثقة كبيرة جدا في معاهدات التحالف الخاصة بهم، لقد ناموا في أمان دون أن يخشوا المزالق التي ستجلبها لهم بقية السنوات وقد فعلوا ذلك، لا يستيقظون إلا لينشغلوا بما يناسب أهواء الإنسان، بالملذات، والتمتع بمباهج الحياة، وقد كان هذا هو الطريق إلى الخسارة.
كل التجارب، كل المصايب التي تعرضت لها سيطرة الحكومة كانت قد أعدتها نتيجة سوء إدارة الأمور، وهذا ما يدركه كل عاقل واعي بالسياسة، فسقطوا وتسببوا في سقوط آخرين، لأنهم اقتصروا على البحث لأنفسهم عن حلول لصعوباتهم، تاركين حل الباقي على الله.
إن سوء إدارة الأمور هو الذي أدى بالفرنسيين إلى اتخاذ هذا الموقف من كصور اتوات، حيث استولوا عليهم بلا حجة مقنعة لديهم، ولا سببوا لهم أي ضرر مؤسف؛ فقط، حجج القوة هي فقط الحجج.
أرسل وزير الداخلية كاتبه الفقيه سيدي العربي المنيعي إلى طنجة، بهدف عرض تظلمات الحكومة المغربية، أمام قناصل القوى المقيمة هناك، مع شكوى موجهة إلى كل منهم، شكاوى خصوم المغاربة، تطال بإلحاحه على حضورهم معه في المفاوضات الخاصة بهذه المسألة، لتحقيق العدل والمساواة.
وقد أجاب البعض من القناصل بأنهم لن يتدخلوا بين البلدين في مسألة الحدود، والبعض الآخر أصم أذانه ولم يعطوه أي جواب، في هذه الأثناء يئس سكان اتوات من الخلاص، ولم يجدوا ملجأ من عدو يؤيد بقوته ادعاء حججه، لقد استهلكت تطلعات الإسلام في الدماء المراقة، وستسلم نفسها في تكتم، ليتم تنفيذ الغزو، كما تم أيضا مقتل السكرتير المعني بطنجة، ذلك الذي أراد الدفاع عن وطنه ومواطنيه، بمجهود ذاتي، ولا قوة فعالة، في حين أن هذا الحدث نتاج سوء توجيه الأمور مما يدل على غباوة وطيش حكومي.
أما سبب مقتل السكرتير، هو أنه دخل الحمام في قصر الحكومة بالقصبة، وأشعل الفحم بعدما أغلق الباب، فاختنق بالدخان المنبعث من الفحم.
وعلى إثر هذه الأحداث، تعهد رجال الحكومة المعتمدون باستشارة الحكومات الأجنبية، بشأن ما ما يجب عليهم فعله في مثل هذه المواقف الطارئة، ومن الطبيعي أن تجد هذه الحكومات في تلك الخطوات، وسيلة للحصول على امتيازات، والمخادعة من خلال الظهور بمظهر الناصح غير المهتم، وكانت هذه الخطوات أكثر كارثية، فهي مثل غسل الدم بالدم.
وقد كتب رجل بارز بعد أن عاين الوضع من الجانبين، ولاحظ المضايقات، والإنفعالات التي لا بد أن تنجم عن الإتفاق مع الأجنبي، كتيبا أعطى فيه مواطنيه الرأي الصادق، بعدم الإستماع إلى الإقتراحات الأجنبية، وأبدى تعاطفه مع الحكومة الشريفة، لعدم قدرتها على مقاومة أعدائها في ساحات القتال، مؤيدا رأيه في تسليم كُصُور اتوات بدون صراع ولا قتال، إذ لا يوجد في النصائح الواردة من الخارج، إلا تلميحات تضر بالبلاد.
وقال “بما أن الله قدر أن يعبر الجنود الفرنسيون حدود الصحراء الجزائرية، ويصلوا إلى محيط اتوات ويستولوا على كُصُورها، وكذلك عين صلاح، وعين الغار، وإيكلي، والعديد من الأماكن، وذلك نتيجة نظام عام، وحكم إلهي لا يعلم حقيقته إلا الله القوي المتين، فيجب على الإنسان العاقل أن ينحني أمام أمر مقدر.
كيف يمكن لأي شخص أن يعارض شيئا كتبه الله؟
الملك لله، وكل شيء يتم بأمره، هو الملك الديني، إن الأمة الفرنسية كما يعلم الجميع بلا شك، معروفة بالرأفة والإحسان، واحترام القانون، والأديان، إنها لا تأخذ أبدا ممتلكات أي شخص، لا تسيء إلى عادات رعاياها، فهي تطمئنهم، تحميهم وزوجاتهم وأطفالهم، والجميع في أمان، في ظل عدالتها، فقط من يفعل الشر ويؤذي الآخرين، من يريد الإضرار بأهله ومواطنيه، من يشعل نار الفتنة، إذا فهو يستمع إلى نصيحة الأجنبي الذي يسعى دائما إلى إدامة الفتنة، فإذا أراد هدم الطرق والمباني التي يتم إصلاحها، تقوم الحكومة الفرنسية بعدم السماح له أبدا، فتعاقب المخطيء الذي لن يلوم إلا نفسه.
احذروا يا عباد الله من الشياطين، ومن وساوس الإنس والجن، ومن المعلوم أن دابة الحمل الضالة، يجب الإمساك بها، حيثما وجدت، فإذا صادفها راع وجب عليه أن يركبها، وبما أن قرى اتوات والأماكن المجاور تقع ضمن حدود الصحراء الجزائرية، فنحن أحرار في الإستيلاء عليها، وأي منازعة ونقاش في هذا الموضوع، لن تكون إلا كلاما لا طائل من ورائه.
علاوة على ذلك فهو احتجاج عبثي، وواجب على الذين هم على رأس شؤون المسلمين بالحدود، وفي المناطق التي نتحدث عنها، أن يلتزموا بعدم مراعاة ما يقول أولئك الذين لا يحلمون إلا بالدمار والمتاعب، والأجانب المكروهين، الذين ليس لديهم ما يفعلونه سوى العمل من أجل قطع العلاقات الطيبة بين أمتين متجاورتين.
والله يهدي من يشاء إلى الطريق الصحيح، إنه بعباده، عليم خبير، ورحيم رؤوف.
أنظر:
un opinion marocaine
sur la conquete du touat
archeves morocaines,
tome 1, page 416 a 424/1904
جورج سالمون.