الظلاميون… حقا
هوية بريس – عبد الواحد رزاقي
من أشد أنواع الحروب في عصر القنوات الفضائية والنيت والسماء المفتوحة والقرية الأرضية الصغيرة، حرب المصطلحات والقصف المدفعي بثقيل الكلمات. وقد سبق أن حدثت هذه الحرب أيام الإرجاف في المدينة حينما ولغ المنافقون في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادث الإفك الشهير.
من هذه المصطلحات التي شنت على الراضين بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسول الله نبيا ورسولا، مصطلح ” الظلاميون ” و”الرجعيون” و”الأصوليون” وأخفها “المحافظون”…
وقد تولى كبر نشر هذه المصطلحات التيار اليساري المتطرف وبقايا الشيوعيين الراديكاليين انطلاقا من مقولة “نبيهم” الهالك كارل ماركس: “الدين أفيون الشعوب” فباتوا يوزعون النور والظلام على من شاءوا وفق أهوائهم ومزاجهم لا يحتكمون فيه إلى أي منطق او معيار معتمد.
وبالرجوع إلى “أفيون الشعوب” المرجعية الإسلامية نجد نصوص القرآن الكريم تصرح بما يلي:
“الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”. البقرة 256
“قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين” المائدة 17
“والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم” الأنعام 40
“أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون” الأنعام 123
“الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور” إبراهيم 1
“أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور”. النور 39
“هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم” الحديد 9.
هذا غيض من فيض وأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم حافلة بأن يجعل الله تعالى النور في جوارحه وقلبه.
وعن طريق الاستقراء والمخالطة نجد البعيد عن الدين والأخلاق الإسلامية في غالب الأحيان يعيش حياة شقية نكدة يحاول تعويض السعادة المفقودة بمسكنات ومهدئات قد تكون أدوية صيدلانية او لفافة تبغ أو مخدرا مركزا أو كأسا معتقة من الخمر أو الكحول أو ما شابهها. نفس شقية تعيش الظلام الحقيقي. ورغم وضعه النفسي الحالك، يرمي غيره المخالف إيديولوجيا بما يشعر به هو من عيش كئيب مظلم وظلامي. يصدق عليه قول المثل: “رمتني بدائها وانسلت”. وبالعكس نجد المتدين يعيش حياته كلها أمل وتفاؤل سعيد وراض بما قسمه الله له. تجده رغم فقره وقلة يده ينام ملء عينيه وقد يكون الفراش حصيرا أو قطعة ورق مقوى أو كيس اسمنت أو غيره من الأمتعة التافهة شاكرا لله حامدا له على نعمة الصحة والعافية.
إن طبيعة عقيدة التوحيد والإيمان بالله خالق الكون تجعل المؤمن في سعة من أمره وبحبوحة من حياته يلخصها قول ربعي بن عامر رضي الله عنه لما خاطب رستم قائد الفرس أثناء التفاوض معه : “لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”.
ولترجمة هذه المعاني السامية دخل البطل المسلم ربعي بفرسه متجاهلا الفرش الوثيرة والزرابي المبثوثة بين يدي القائد الفارسي في خيمة حكمه بل وينكث برمحه ذلك السجاد المزركش تعبيرا عن قيمة عروض الدنيا التي يتقلب فيها الطاغية وحاشيته وباقي شعبه يعيش ذل العبودية ومهانة الاسترقاق.
لقد اتاه القائد المسلم بدين يساوي بين الناس والكل عبد أمام خالقهم الواحد, الملك والمملوك، الرئيس والمرؤوس،الخفير والغفير، الوضيع والشريف. منهج رباني يتسع للدنيا والآخرة جميعا بهذا الأفق الرحب الممتد عبر الزمان والمكان في مقابل منهج يعيش الناس في ظله بين الحكم الظالم للطاغوت وبين دنيا يعيش فيها الفرد مجهول المصير لا يدري ما يفعل به.
يقول الفيلسوف والمفكر الفرنسي المسلم، روجيه جارودي، في رحلته من الشك إلى الإيمان: «إن انتمائي للإسلام لم يأت بمحض الصدفة، بل جاء بعد رحلة عناء طويلة، تخللتها منعطفات كثيرة حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل والخلود إلى العقيدة التي تمثل الاستقرار”.
ويقول الدكتور مصطفى محمود عن رحلته من الشك إلى الإيمان: «لقد مررت بكل المراحل الفكرية من الشك إلى اليقين من الإلحاد إلى أن أصبحت خادم كلمة التوحيد». ويضيف: «احتاج الأمر 30 سنةً من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس وتقليب الفكر على كل وجه، لأقطع الطريق من الشائك إلى ما أكتبه اليوم على درب اليقين”.
التوحيد نور واطمئنان وأمن وسلام والإلحاد والشرك وعبادة الطاغوت ظلمات بعضها فوق بعض وجزع وشقاء وخوف دائم. مصداق ذلك قول الباري تعالى:” ومن أعرض عن ذكري فإنه له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى” طه 124.