في السند القانوني لاشتراط الإدلاء بعقد الزواج لولوج الرجل والمرأة إلى الفندق

25 يونيو 2024 21:49

هوية بريس – امحمد الهلالي

في السند القانوني لاشتراط الإدلاء بعقد الزواج لولوج الرجل والمرأة إلى غرفة مشتركة بمؤسسات وأشكال الإيواء السياحية

في إطار تكثيف ضغوطه من اجل الغاء تجريم “العلاقات الجنسية الرضائية بين بالغين خارج مؤسسة الزواج” كرر السيد وزير العدل تصريحاته بخصوص قانونية اشتراط عقد الزواج لولوج الجنسين الى غرفة مشتركة بالفنادق، فانتقل من الاحتجاج على وجود هذا الاجرار والتعبير عن رغبته بالغائه في اصلاحاته الموعودة الى مرحلة اخرى وجه فيها تهديدا صريحا الى ملاك ومستغلي المؤسسات السياحية اذا ما استمروا في مطالبة زبنائهم بهذا الاجراء تحت طائلة المساءلة القانونية زاعما انه من غير سند قانوني.

وقد أعقب هذه التصريحات صدور مقال لعضو ديوان الوزير السيد عبد الوهاب رفيقي، يشرح فيه تصريحات الوزير، ويبين ما يزعم انه غياب للسند القانوني والفقهي بل وذهب بعيدا في اعتبار هذا الاجراء متعارضا مع المواثيق الدولية والمقتضيات الدستورية والاحكام الفقهية.

مقال السيد عبد الوهاب رفيقي يناقش الادلاء بوثيقة عقد الزواج كشرط لولوج الرجل والمرأة الى غرفة مشتركة في مؤسسة سياحية ضمن فهمه الجديد لمفاهيم الحياة الخاصة والحرية الشخصية، وكذا ضمن تأويله الخاص لمفهوم حرمة المعطيات الشخصية وحرمة المسكن.

كما يرافع عن وجهة نظره الجديدة بالاستدلال بنصوص قانونية عامة من المواثيق الدولية او الوثيقة الدستورية التي لا صلة لها بالموضوع وتحتاج الى كثير من التعسف في التاويل وكثير من الانتقاء لكي تسعف في القول بانعدام الاساس القانوني للمطالبة بعقد الزواج كشرط لولوج الجنسين الى غرفة مشتركة بمؤسسة سياحية.

وللتفاعل مع هذا النقاش سوف ننطلق من الاسئلة التالية:

– ما هو الأساس القانوني للإدلاء بعقد الزواج كشرط لولوج الجنسين إلى غرفة مشتركة في مؤسسات واشكال الايواء السياحي؟

– هل شرط الادلاء بوثيقة عقد الزواج للولوج الى مختلف اشكال الايواء السياحي يعتبر انتهاكا لحرمة الحياة الخاصة وللحرية الشخصية ولحرمة المعطيات الشخصية؟ ام انه يعد من صميم الحماية القانونية للحياة العامة والفضاءات المشتركة عن طريق حماية النظام العام ونظام الاسرة والآداب العامة؟

وقبل ذلك كله لماذا هذا الاصرار على هذه الموضوعات في سياقنا الراهن؟

أولا: في سياق المطالبة برفع التجريم عن الولوج الى غرفة مشتركة بين الجنسين دون عقد زواج

تعد الحملة على طلب الادلاء بعقد الزواج كشرط لولوج الجنسين الى غرفة مشتركة بمؤسسات الايواء السياحي جزءا من المساعي الرامية الى الغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية وفي اطار التمهيد لتنفيذ التوصيات الموجهة الى المغرب بهذا الخصوص ضمن تقرير الاستعراض الشامل امام مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، ومنها تجريم الزواج دون سن الاهلية والسماح لولوج الفتيات دون هذا السن الى الصحة الانجابية، مع الاعتراف بوضعية الامهات العازبات واعمال البصمة الوراثية لإثبات النسب الطبيعي للمواليد خارج نطاق الزواج، وهي موضوعات لها ترابط خاص وتحكمها خلفية واحدة تتعلق بتشريع الحريات الجنسية ومناهضة مؤسسة الزواج الشرعي والحرب على مؤسسة الاسرة.

وتندرج هذه النقاشات ضمن سياق الاستعداد لإحالة مشروع القانون الجنائي الذي تم سحبه رغم التوافق الوطني الذي كان يحظى به على اثر الحوار الوطني حول العدالة لكونه لم يخضع للإملاءات الخارجية بخصوص تنفيذ التوصيات التي ظل للمغرب يعبر عن رفضه لها في تقارير الاستعراض الشامل لمرحلة ما قبل 2021 انطلاقا من تعارضها مع احكام شرعية قطعية ومقتضيات دستورية متوافق عليها وتفسيرات وتحفظات للمغرب على الوثائق الدولية اثناء مصادقته عليها ضمن الاطر التي تسمح بها القوانين والمعايير الدولية نفسها.

كما يتأطر هذا الجدل ضمن المساعي الانفرادية التي سلكها وزير العدل بهدف مراجعة مدونة الاسرة لاعتماد ما تم اقحامه في تقرير النموذج التنموي من قضايا تتعلق بالأسرة والمرأة وما يرتبط بهما خاصة في القضايا التي وردت بشأنها نصوص شرعية قطعية او تلك التي تم فيها التوصل الى توافقات في اطار لجان ملكية من قبيل توسيع مجال الاعفاء من العقاب في قضايا الاجهاض وكذا في قضايا العلاقات الجنسية خارج الزواج والشدود الجنسي والمساواة في الارث وذلك قبل ان تسحب المبادرة من الوزير وتتخذ مسارها الجديد.

ضمن هذا السياق حاول السيد وزير العدل ومساعده الرجوع الى قضية الادلاء ببعض الوثائق والبيانات قبل الولوج الى الايواء في غرفة مشتركة بين الجنسين في مؤسسات الايواء السياحية، زاعمين عدم وجود اساس قانوني لهذا الشرط ومدعين ان التمسك بهذا الشرط يعد انتهاكا للحياة الخاصة وللحماية القانونية للمعطيات الشخصية، وهو ما يقع حسب تأويلهم تحت طائلة المتابعة القضائية.

فهل الادلاء بعقد الزواج وبباقي البيانات والوثائق الشخصية يعتبر من غير سند قانوني كما يدعي وزير العدل وعضو ديوانه؟ واي تأطير قانوني لمثل هذا الشرط للولوج الى بعض الخدمات العمومية؟

ثانيا: في أسباب اشتراط تقديم وثائق الهوية والبيانات الشخصية ومنها عقد الزواج للولوج إلى بعض الخدمات العمومية

للولوج إلى بعض الخدمات العمومية يشترط القانون الادلاء ببعض وثائق التعريف او الوثائق المثبتة للهوية او المتضمنة لبعض البيانات الشخصية وعلى رأس هذه الخدمات الايواء السياحي في الفنادق وباقي اشكال الايواء السياحي الاخرى.

وتأتي هذه الشروط ضمن اجراءات تهدف الى تعزيز النظام العام بأركانه الثلاثة وكذا في اطار التدابير الهادفة الى تكريس الضمانات القانونية المتعلقة بحماية الحياة العامة والفضاء المشتركة من خلال حماية نظام الاسرة والآداب العامة لفائدة جميع المواطنين بلا استثناء بمن فيهم مرتادي هذه الخدمات انفسهم.

كما ان فرض بعض الاجراءات على المستفيدين من بعض الخدمات انما هو جزء من تدابير احترازية ترمي الى تسهيل مأمورية الاجهزة المختصة بحماية الحقوق والحريات لفائدة المجتمع ككل، ولفائدة اشخاص معينين في وضعيات محددة محمية بالقانون.
كما تهدف أيضا الى تقاسم المسؤولية مع موردي هذه الخدمات ومستغلي المؤسسات التي توفرها للإسهام الجماعي في الوقاية المسبقة من التهديدات المحتملة لهذه الحقوق والحريات، وكذا من اجل التشارك في التصدي الجماعي للجرائم الماسة بالنظام العام او بنظام الاسرة والآداب العامة كما هو الشأن بخصوص موضوع مناقشتنا.

ان تدخل القانون الذي هو تعبير عن ارادة الامة للحد المؤقت من بعض الحريات او لفرض قيود معينة نظير الاستفادة من بعض الخدمات المرتبطة بحقوق وحريات أخرى، انما يتم بغاية تأمين ممارسة حقوق وحريات اخرى اكثر اهمية او مماثلة لها في القيمة والاولوية، وقد يكون المستفيد الاول من هذه الاجراءات هو من قيدت حريته، ثم عموم المواطنين، كما ان جميع النصوص القانونية الدولية والوطنية لا تعتبر ذلك مسا بحقوق الانسان بل تعتبرها من الواجبات المفروضة على السلطات العامة للقيام بمسؤوليتها دون تقصير بغاية حماية حقوق وكرامة الانسان ومصالحه بشرط ان يتم تشريع هذه القيود ومداها وحدودها والمكلفين بتنفيذها بواسطة القانون ولغاية المصلحة العامة.

لذلك فكل النصوص التي تم الاستشهاد بها سواء من المواثيق الدولية او من الدستور المغربي في موضوع حرمة الحياة الخاصة او في موضوع معالجة المعطيات الشخصية وان كانت لا تخص موضوعنا فهي تتضمن بشكل لا لبس فيه امكانية الحد من هذه الحقوق والحريات او تقييدها بشرط ان يكون ذلك بواسطة القانون وتحت اشراف سلطة عامة ولغاية تتعلق بالمصلحة العامة.

ومن هنا فان حق التجوال على سبيل المثال والحق في التنقل خاصة عبر المطارات يخضعان في ممارستهما لقيود تبدو شديدة، ولتفتيش قد يصل الى حد انتهاك الخصوصية والحميمية، وتفتيش للاغراض الخاصة، ولا يقول احد ان ذلك غير قانوني او متعارض مع المعايير الدولية والوثائق الدستورية طالما ان ذلك يتم في نطاق القانون ومن قبل سلطة مختصة ولغرض مصلحة عمومية.

طبعا قد يقول قائل ومنهم السيد وزير العدل ان هذا التفتيش وهذا الادلاء بهذه الوثائق يتم من قبل اجهزة مختصة كلفها القانون بمهام ضباط الشرطة القضائية، لكن يفوت هؤلاء ان القانون الذي كلف هؤلاء، هو نفس الذي اجاز ممارسة بعض مهام ضباط الشرطة القضائية من قبل موظفي واعوان بعض الادارات والمرافق العمومية حسب قانون المسطرة الجنائية ولا سيما المادة 27 التي جاء فيها “يمارس موظفو وأعوان الإدارات والمرافق العمومية الذين تسند إليهم بعض مهام الشرطة القضائية بموجب نصوص خاصة، هذه المهام حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه النصوص”.

ومن ببن القوانين الخاصة التي نصت على تعيين اعوان وموظفين مكلفين ببعض مهام ضباط الشرطة القضائية القانون رقم 80.14 ولاسيما المادة 39 منه التي تنص على ما يلي : “علاوة على ضباط الشرطة القضائية يؤهل للبحث عن مخالفات أحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه ومعاينتها الأعوان المؤهلون والمنتدبون خصيصا لهذا الغرض من لدن الإدارة”.

وهو نفس القانون الذي اناط بمستغلي ومديري هذه المؤسسات بواجب تلقي بيانات ووثائق الزبناء العابرين والمقيمين فور وصولهم والتصريح بها لدى الادارة في يومه عبر معالجة الكترونية، يلتزم مستغل مؤسسة الايواء السياحي وجوبا “بأن يطلب من زبنائه العابرين أو المقيمين بمجرد وصولهم إلى المؤسسة تقديم وثائق التعريف وملء وتوقيع استمارة فردية للإيواء” حسب المادة 37 و”أن يصرح يوميا لدى الإدارة، عبر معالجة إلكترونية تسمى التصريح الإلكتروني، بالمعطيات المتعلقة بزبنائه العابرين أو المقيمين يوم وصولهم لمؤسسته مع احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي”، وفقا لمنطوق المادة 36.

وانطلاقا مما سلف وباستحضار هذه النصوص الواضحة نعيد طرح الاسئلة التالية:

– هل طلب الالاء بعقد الزواج للولوج الى غرفة مشتركة بين رجل وامرأة يعد مسا بالحياة الخاصة ام هو ضمانة لحماية الحياة العامة؟

– وهل هذا الاجراء يعد ضمن الحالات الممكن فيها قانونا معالجة المعطيات الشخصية، لطالبي هذه الخدمة في هذه المرافق المفتوحة للعموم؟

– وهل مطالبة المؤسسات السياحية بهذه الوثيقة والبيانات هو الذي يعرضهم للمساءلة ام ان امتناعهم عن طلب هذه الوثيقة وتقاعسهم في التصريح بها لدى الادارة المعنية، عبر معالجة الكترونية، هو الذي يعرضهم للعقاب وفق لنصوص تنظيم استغلال المؤسسات السياحية وفتحها امام العموم؟

نجيب عن ذلك في الحلقة الموالية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M