في السند القانوني لاشتراط الإدلاء بعقد الزواج لولوج الرجل والمرأة إلى الفندق (ج2)
هوية بريس – امحمد الهلالي
ثالثا: بين حماية الحياة الخاصة وحماية الحياة العامة والمشتركة.
ما هو مفهوم الحياة الخاصة؟ وما معنى الحرية الشخصية وما هو المفهوم القانوني لحرمة المسكن؟ وهل كل معالجة للمعطيات الشخصية يعد انتهاكا لها؟ وهل الفنادق فضاءات خاصة تتمتع بحماية قانونية شأنها شأن المسكن والمراسلات؟ أم هي فضاءات عامة تخضع فيها الحريات الفردية للقيود التي تمنع من تحولها إلى اضرار بمرتاديها وبالمشترك العام وتؤدي إلى المس بحرمة الحياة العامة؟
للجواب عن هذه الأسئلة، لابد من مناقشة الفعل موضوع نازلة الحال، من حيث توصيفه القانوني الصحيح، ثم تحليل مكان هذا الفعل وهل يعد مكانا خاصا أو عاما ثم مناقشة الحياة الخاصة وهل تتوفر عناصرها الموجبة لحمايتها في مؤسسة الإيواء السياحي.
1- في التكييف القانوني لولوج غير المتزوجين إلى إيواء مشترك في مؤسسة سياحية.
يعتبر ولوج رجل وامرأة من غير رابطة زوجية إلى غرفة مشتركة بمؤسسة للإيواء السياحي من منظور القانون الجنائي وخاصة المادة 490 منه بمثابة جريمة مكتملة الأركان، حيث نصت المادة على أنه “تعتبر كل علاقة جنسية بن رجل وامرأة ليس بينهم علاقة الزوجية جريمة فساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة كاملة”.
ولما كانت محاولة ارتكاب الجرائم تتم بمجرد “الشروع في تنفيذها أو القيام بعمل لا لبس فيه يؤدي إلى تنفيذها يعد جريمة تامة”، وفقا لمنطوق المادة 114 من القانون الجنائي، فإن لا أحد يمكن أن يكون له تفسير جدي لولوج المرأة والرجل إلى غرفة مشتركة بمؤسسة للإيواء السياحي بعيدا عن القيام بعلاقة جنسية بينهما.
لكل ذلك فإن شبهة العلاقة الجنسية غير المشروعة تظل قائمة بالنسبة لهذا الفعل موضوع مناقشتنا، ولا تزول هذه الشبهة سوى من خلال إدلاء المعنيين بالأمر بالسند الشرعي المبيح لها أو الذي ينأى بها عن عناصر جريمة الفساد أو جريمة المساهمة فيها كما هي محددة في المادة 114 أو عن جريمة عدم التبليغ عنها كجريمة منصوص عليها في المادة 299 من مجموعة القانون الجنائي.
ولأن مستغلي المؤسسات السياحية مقيدين بواجب طلب المعطيات والبيانات ووثائق الهوية الخاصة بالنزلاء العابرين والمقيمين، وكذا بواجب التصريح بها لدى الإدارة عبر المعالجة الإلكترونية في نفس اليوم، ووفقا للاستمارة الفردية والتصريح الإلكتروني المفروضين بموجب قانون مؤسسات الإيواء السياحي، فإننا والحالة هاته، نكون أمام جريمة فساد يُفترض أن تكون الأجهزة المختصة على علم بها انطلاقا من التصريح المذكور، تكون مطوقة بمسؤوليتها في القيام بالمتعين بما في ذلك تحرير محضر لحالة التلبس وفقا المادة 56 وما يليها من المسطرة الجنائية، وطبقا للمادة 493 من القانون الجنائي أو من خلال المكاتيب الصادرة عن المعنيين التي تبقى مثبتة في تصريحهما والاستمارة الفردية التي يطالبان بتعبئتها فور وصولهما ويلزم مستغل المؤسسة بالتصريح بها لدى الإدارة من يومه عبر معالجة إلكترونية.
من هنا فان هذا الفعل (أي عدم الإدلاء بعقد الزواج كشرط لولوج الرحل والمرأة إلى غرفة مشتركة بالفندق) من حيث توصيفه القانوني يعتبر جريمة فساد تامة حسب منطوق المادة 490 التي تؤكد أن “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربطهما علاقة الزوجية تعد جريمة فساد”، وكذا وفقا للمادة 114 التي تؤكد على أن “كل محاولة ارتكاب جريمة بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها تصبح كالجريمة التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة”.
2- في بعض الاعتراضات على هذا التكييف القانوني.
قد يجادل البعض بأن مجرد الدخول إلى غرفة مشتركة لا يوفر كل عناصر جريمة الفساد انطلاقا من صعوبة وسائل الإثبات الخاصة بهذا النوع من الجرائم، أو باستحضار المناقشات والشروط التي حددها الفقهاء لتعسير إثبات فاحشة الزنا إذا لم يتحقق الرادع الشرعي والاجتماعي ولم ينفع الوازع التربوي والانساني (أترضاه لأمك) قبل وقوع الفاحشة، خاصة وأن الأمر مرتبط بالحدود الشرعية لمكانتها في مقاصد الشريعة ولوجوب درئها بالشبهات، لكن ردنا على هذه الاعتراضات يكمن في أن هؤلاء المجادلين مطالبون بعدم الخلط بين الجرائم وتكييفاتها وعقوباتها بين المنظومة الشرعية والمنظومة المدنية، وعدم الخلط بينهما ولا المزج بين أحكامهما.
أما الإعتراض بكون مجرد الدخول لا يعني ارتكابا لجريمة الفساد فنرد عليه بمنطوق من المادة 114 من مجموعة القانون الجنائي التي تحدد على وجه الدقة متى يحتسب الشروع في ارتكاب الجريمة، ومتى يتعتد ببدء المحاولة في ارتكابها، حيث جاء في هذه المادة: “كل محاولة ارتكاب جريمة بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها تصبح كالجريمة التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة”.
من هنا فإن الدخول إلى غرفة مشتركة بين رجل وامرأة بدون رابطة الزوجية يعتبر عملا لا لبس فيه للشروع في العلاقة الجنسية يعد شروعا في ارتكابها.
ولأن مستغل المؤسسة السياحية ليس بقاض لكي يشتغل بوسائل الاثبات العامة أو الاستثنائية، فإن القانون ألزمه فقط بطلب بيانات ووثائق الزبناء والتصريح بها من يوم وصولهم لدى الجهة المختصة التي على عاتقها تفعيل وثائق الإثبات ومنها المحضر الرسمي أثناء حالة التلبس أو المكاتيب المصرح بها من قبلهم والتي تبقى محفوظة لدى مستغل المؤسسة السياحية.
وفي هذا الصدد أوجبت المادة 37 “على كل مستغل لمؤسسة للإيواء السياحي أو شكل آخر من أشكال الإيواء السياحي، أن يطلب من زبنائه العابرين أو المقيمين بمجرد وصولهم إلى المؤسسة تقديم وثائق التعريف وملء وتوقيع استمارة فردية للإيواء يحدد نموذجها بنص تنظيمي”. ولنفس الغرض أيضا تم إلزام هذا المستغل بموجب المادة 36 بأن “يصرح يوميا لدى الإدارة، عبر معالجة إلكترونية تسمى التصريح الإلكتروني، بالمعطيات المتعلقة بزبنائه العابرين أو المقيمين يوم وصولهم لمؤسسته مع احترام المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي”.
فهل هناك نص أكثر وضوحا في توفير السند القانوني لطلب الإدلاء بعقد الزواج كشرط لولوج الرجل والمرأة إلى إيواء مشترك في غرفة واحدة بمؤسسة سياحية؟ وهل هناك من وضوح أكثر في تحديد مسؤولية مستغلي هذه المؤسسات السياحية في وجوب طلبهم من زبنائهم العابرين والمقيمين بالإدلاء بوثائق هويتهم وبياناتهم الشخصية وكذا بوجوب التصريح بها يوميا لدى الإدارة المعنية عبر المعالجة الإلكترونية.
ثم ماذا عن مسؤولية الإدارة المصرح لديها بان رجلا وامرأة لا تجمع بينهما علاقة الزوجية قد قاما بتأجير غرفة مشتركة بينهما دون الإدلاء بما يثبت علاقتهما الزوجية ودون أن يصرح بذلك مستغل هذه المؤسسة السياحية؟
والخلاصة هي أنه وانطلاقا من هذه النصوص الواضحة، لم يعد بوسع أي كان أن يدلس على الرأي العام بأن يقدم هذا الفعل المجرم قانونا وهو حجز غرفة مشتركة بين رجل وامرأة لا تربطهما علاقة الزوجية، على أنه حرية شخصية يحميها القانون ويطالب مستغلي المؤسسات السياحية، بعدم انتهاك خصوصيتهما، تحت طائلة التهديد بالمتابعة القضائية، لأن الأمر لا يعدو أن يكون جريمة تامة يعاقب القانون على مجرد محاولة ارتكابها، بل ويعاقب على عدم التبليغ عنها أو على المساهمة فيها بغض الطرف عنها، حيث يعتبر القانون مشاركا في ارتكابها، حسب منطوق المادة 129 كل “من لم يساهم مباشرة في تنفيذها ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية:
1- أمر…
2 – قدم…
3- ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها مع علمه بذلك”.
ولا شك أن تقديم غرفة مشتركة لرجل وامرأة لا تربطهم علاقة الزوجية من الأعمال المسهلة لارتكاب جريمة الفساد ويعد عملا مساعدا ومعينا على ذلك.
ولمزيد من الايضاح بهذا الشأن، يبقى من المفيد وضع بعض المفاهيم التي تستعمل بكثافة لتبرير هذه المطالب الإيديولوجية ضمن مدلولاتها القانونية البحثة والفرز فيها بين العلمي والايديولوجي ومنها على وجه الخصوص: مفهوم الحرية الشخصية وحرمة لمسكن وكذا مفهوم الحياة الخاصة في تقاطع الخصوصي والعمومي فيها.
يتبع…