عقلية أصحاب الفيل.. من أراد بالناس الضلال جعل الله كيده في تضليل
هوية بريس – د.خالد الصمدي
القصص القرآنية ليست حكايات من الماضي للاعتبار فقط، ولكنها تعرض نماذج تتكرر في التاريخ في الخير والشر، وتحمل في نفس الوقت تنبؤات بما يمكن أن يقع في المستقبل في حال وجود نفس العقليات والشروط والأسباب.
ومن هنا نعتقد ان أصحاب الفيل هم صنف من الناس يركبون القوة ويغترون بها، هدفهم كسر البوصلة بالكيد والمكر لإدخال الإنسانية في حالة من التيه، ومن ثم محاولة السيطرة عليه بعد هدم مركز القرار والتحكم فيه “القبلة”.
وعليه فإن القصة لم تنته مع أبرهة الذي ركب وجيشه الفيلة وجاؤوا لهدم الكعبة قبل أن يجعل الله كيدهم في تضليل، ويهلكه وجنده بطير أبابيل كما تعرضها كتب التفسير.
وإنما هي سورة كاملة قصيرة كثيفة الدلالات حاملة لرمزيات عميقة تخترق الأزمنة والامكنة ، وستظل أحداثها وآثارها تتكرر إلى يوم الدين ما تكررت الاسباب والشروط والعقليات، لأنه كما يقال إذا توفر الشروط حصل المشروط.
ولأن نموذج أبرهة الذي عرضه القرآن ممتد في الزمان والمكان، وهو مستمر في محاولاته الدائمة لهدم القبلة بكل صور الكيد حتى تفقد البشرية وجهتها وتدخل في حالة من التيه، ومن ثم تسهيل امر التحكم فيها.
فإن الله يعاقبه بنقيض قصده فيجعل كيده في تضليل، حتى إذا ضل الطريق وفقد الوجهة حل به الهلاك وانتهى إلى زوال ما تمسك الناس بالقبلة.
وهكذا فإن سنن الله في الكون تتدخل في الوقت المناسب لتقف على الدوام دون هدم القبلة مهما حاول اصحاب الفيل المغتربين بقوتهم وجبروتهم في كل زمان وحشدوا عتادهم وعدتهم وتوجهوا لهدمها، لأن القبلة تشكل مقصد الانسان وبوصلته الموجهة في حركة التاريخ، ووضوح الوجهة هو الذي يعطي للحياة معناها وطعمها، وللكون والخلق تفسيره وتدبيره، والتيه والضلال هو أخطر داء يصيب البشرية على مر التاريخ وبعد الضلال مباشرة يأتي الهلاك.
فإذا أراد الناس إنقاذ العالم من هذا الداء، فإن الحل يكمن في مواجهة عقلية أصحاب الفيل، والمحافظة على القبلة والوجهة واضحة صافية ببناء القناعات الإيمانية بخالق الأكوان ومدبرها، واتخاذ كل الأسباب التي تحفظ فيها الميزان من الخسران والطغيان، وتبقي القبلة شامخة قائمة البنيان، توجه الإنسان في كل زمان، وفي كل مكان.