بعد أحداث غزة أصبح المشروع الليبرالي يلفظ أنفاسه الأخيرة
هوية بريس – د.نايف بن نهار
قبل نحو مئة عام نشأ تيار في العالم الإسلامي يروّج للنموذج الغربي الليبرالي على أنه النموذج المثالي، وتدريجيًا أصبح لهذا التيار قوة كبيرة لدرجة أن كثيرًا من الباحثين المسلمين اندمجوا في هذا التيار، بل إن بعض مشاريع تجديد الخطاب الإسلامي لم تكن في حقيقتها سوى محاولات لأسلمة النموذج الليبرالي. وقد حاولَتْ آلاف المؤتمرات والندوات والكتب مواجهة هذا التيار، لكن كان التيار الليبرالي أقوى صوتًا، حتى في أرجاء العقل الإسلامي المعاصر ومؤسساته.
لكن اليوم بعد أحداث غزة أصبح المشروع الليبرالي يلفظ أنفاسه الأخيرة حقيقةً لا مجازًا، فلم يكن الأمر يحتاج عقد مؤتمرات وندوات وإصدار مقالات وكتب لإثبات زيف النموذج الغربي، كان يكفي أن تدخل غزة على خط المواجهة لتجعل النموذج الليبرالي الغربي يحتضر بالصوت والصورة أمام كل المعجبين به.
اعتاد الغربيون على تبرير انحرافاتهم عن نموذجهم الذي يقدمونه للعالم، لكن في معركة غزة لم يجد الغرب مساحة للمراوغة والتلاعب لوضوح نفاقه وازدواجيته، فالغرب الذي كان يبرر احتلال الدول بحماية حقوق المرأة هو نفسه الغرب الذي رأيناه يضرب النساء ويسحلهن في الشوارع لمجرد اعتراضهن على حرب غزة، والغرب الذي يعقد مؤتمرات لحقوق الطفل هو نفسه الغرب الذي يدعم إسرائيل في منعها الطعام عن أطفال غزة حتى أكلوا من أوراق الشجر، والغرب الذي يستنكر أي اعتداء على سجناء الرأي في دول العالم هو نفسه الغرب الذي يدعم إسرائيل التي تغتصب الأسرى في سجونها كما أثبتت ذلك تقارير دولية.
لقد كان المشهد عجيبًا ونحن نرى أساتذة الجامعات وقد وضعت رؤوسهم المملوءة بالدماء تحت أحذية رجال الشرطة، ليس لأنهم معتدون، بل لأنهم طالبوا بمنع الاعتداء! في نظري، كان هذا المشهد يستحق بجدارة أن يكون المشهد الأخير في مسرحية النموذج الليبرالي، فأن تحتل الدول بحجة نشر الحريات ثم تطأ على رؤوس أساتذة الجامعات لمجرد رأي، تلك مفارقة خالدة حقها أن تكون الكلمة الأخيرة للنموذج الغربي قبل أفوله.
نعم، إسرائيل نجحت في غزة، لكنها لم تنجح في القضاء على حماس، بل في القضاء على النموذج الغربي الليبرالي، فلقد كان هناك جدل كبير في العالم الإسلامي حول القيمة الكبرى التي يتمحور حولها النموذج الغربي، هل هي قيمة الحرية أو المساواة أو الإنسانية أو غير ذلك، لكن غزة أنهت كل هذا الجدل، وأثبتت للشعوب قبل النخب أن القيمة العليا في النموذج الغربي هي الصهيونية بلا منافس.