من سلطان المغرب الذي بعث 180 أسطولا لنجدة القدس إلى أصحاب شعار “كلنا إسرائيليون”!!!
هوية بريس – نبيل غزال
لم تكن العلاقة التي تربط المغاربة بالقدس الشريف هي المحبة والتقديس، وزيارة المسجد الأقصى عقب رحلات الحج المتعاقبة فقط، وإنما كان الباعث لذلك أيضا الرغبة الملحة للمشاركة في الجهاد دفاعا عن هذه البقعة المباركة، كما أوضح ذلك المقاوم والأديب والسفير المغربي د.عبد الهادي التازي رحمه الله.
وفي هذا السياق أورد الديبلوماسي المغربي في كتابه (أوقاف المغاربة في القدس: وثيقة تاريخية سياسية قانونية)، أنه “لما كانت سمعة الأساطيل التي كان المغرب يتوفر عليها قد وصلت إلى الديار المشرقية وبخاصة أيام دولة الموحدين الذين أنشأوا لهم “دار الصنعة” المختصة بإنشاء الأساطيل البحرية والمراكب الجهادية. وبما أن الفرنج ملكوا سواحل الشام وملكوا معها بيت المقدس، فقد صارعهم صلاح الدين الأيوبي وفتح البيت حوالي سنة 583هـ (1187-1188م).وعندئذ انقضت أمم النصرانية من كل جهة على سواحل الشام، شأنها في المغرب عندما تحالفت على الإجهاز على الوجود الإسلامي بالأندلس…
ومن هنا وردت فكرة الاستغاثة بأسطول المغرب الذي كان يهيمن على مسالك البحر المتوسط والذي كان يخطط لفتحٍ القسطنطينية العظمى قبل العثمانيين بقرنين وربع القرن على ما ترويه المصادر التركية”.
وكان أن بعث القائد صلاح الدين إلى السلطان يعقوب المنصور سنة 586هـ (1190-1191م) يطلب إعانته بالأساطيل لمنازلة عكا وصور وطرابلس الشام بعد واقعة حطين وفتح بيت المقدس.
وقد أوفد على رأس هذه البعثة الهامة قائد الجيش الأمير أبا الحرث عبد الرحمن بن منقذ الشيزري طالبا أن تحول القوات المغربية في البحر بين أساطيل الفرنج وبين إمداد النصرانية بالشام من الجهات الأخرى”.
وساق د.عبد الهادي التازي -رحمه الله- أن صلاح الدين بعث بهدايا قيمة، وكان يوم استقبال الوفد يوما مشهودا بفاس، العاصمة الإسلامية الأولى للدولة المغربية. هناك تسلم العاهل المغربي الرسالة الأيوبية التي كانت من إنشاء الأديب عبد الرحيم البيساني المعروف بالقاضي الفاضل.
وعلى الرغم من بعض المؤاخذات السياسية التي كانت للخليفة المنصور على السلطان صلاح الدين الأيوبي، بسبب تسريح الأخير مولاه قراقوش وأبا زيان لبلاد المغرب، لمحالفة خصوم الموحدين والتشغيب عليهم، بالرغم من ذلك جهز له الخليفة بعد ذلك مائة وثمانين أسطولا(180) بجنودها وخبرائها وأسلحتها، كان لها الأثر القوي في صدّ ومنع النصارى من ساحل الشام كما يقول ابن خلدون.
وبعد إبلاء المغاربة البلاء الحسن في صد المد الصليبي بالشام، واعتلاء الملك الأفضل عرش والده صلاح الدين بدمشق والقدس، هنا وقّف الملك الأفضل وبالذات سنة 589 البقعة التي اعتاد المغاربة أن يجاوروا عندها في بيت المقدس بقرب الزاوية الجنوبية الغربية لحائط المسجد وفي أقرب مكان للمسجد الأقصى، وقفها عليهم ذكورا وإناثا “ليسكنوا في مساكنها وينتفعوا بمنافعها” وأنشأ لهم في الحارة نفسها مدرسة عرفت بالأفضلية… وبعدها دأب ملوكُ وسلاطينُ المغرب على الوقف بكل أشكاله بحارة المغاربة التي تعادل مساحتها 45 ألف متر مربع، وتشكل 5% من مساحة القدس القديمة.
فعبر التاريخ كانت علاقة المغاربة بالقدس علاقة تعبّد وجهاد ووقف وبذل وعطاء، وإلى اليوم وفي ظل الدولة العلوية لازالت يد المغرب ممدودة بسخاء لإخوة الدين والعقيدة والجهاد، إلى أن برزت نابتة سوء، رفعت شعار التعصب العرقي والتنكر لكل مقومات التاريخ والهوية، رافعة شعار “تازة قبل غزة”، علما أن هذه الفئة المنبتة لا غزة نصرت ولا تازة أنمت وطوّرت، وإنما حاولت استغلال تشابه الحروف بين البلدتين، لتحاول أن تثنِي المغاربة عن القيام بواجبهم الديني والتاريخي والحضاري.
والمثير في هذه الفئة أنك تجد المنتمين لها، وفي جل المحطات، مهاجمين ومعاتبين لرجالات المقاومة الذين يتوقون للحرية ويرفضون الذل والخنوع، مدافعين عن الطرح الصهيوني، بطرق تارة تكون ملتوية، وتارة تكون واضحة ومكشوفة، لدرجة أن صرّح كبيرهم الذي علمهم التصهين عقب أحداث 7 من أكتوبر في مقال له بجريدة “جيروزاليم سترتيجيك تريبيون” أن كل حديث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره “مجرد ثرثرة”، وأن ردود الفعل المتعاطفة مع المقاومة الفلسطينية “أفعال تلوث وسائل التواصل الاجتماعي لتبرير هجمة غير مبررة”، وعنون مقاله الذي أثار سخطا كبيرا داخل المغرب وخارجه بـ”كلنا إسرائيليون”.
في الختام أذكر أن الغرب بكل مكوناته يدعم كيان الاحتلال بالمال والسلاح وكل شيء يمكنك تخيله، فوفق دراسة صدرت عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها قدمت لإسرائيل مساعدات –منذ سنة 1948 حتى مطلع 2023- بقيمة 158.66 مليار دولار، دون احتساب معدل التضخم، وفي حال احتساب هذا المعدل فإن المساعدات ستصل إلى 260 مليار دولار، ووراء هذا الدعم الكبير الذي ينهك الخزانة الأمريكية معتقدات دينية راسخة تتبناها الصهيونية المسيحية التي خرجت للوجود قبل الصهيونية اليهودية بـ200 عام، والتي تتبنى أفكارا أكثر تطرفا من صهاينة “إسرائيل”..
وبعد كل هذا المكر والعداء الديني وانتهاك المقدسات، وقتل وإبادة حوالي 40 ألف شخص، يجرؤ أن يخرج أمامنا من يدعي بأن “إسرائيلَ” أكثرُ دول المنطقة ديمقراطية، وأن قضية فلسطين شأن الفلسطينيين، ونحن لنا قضايانا الوطنية التي يجب التركيز عليها..
إنهم يسعون إلى فصل المغرب عن عمقه الاستراتيجي، والتعصب للعرقيات والإثنيات، واستبدال مفهوم الأمة الشامل بمفهوم الوطنية القاصر.. ومنه تبرير جرائم الاحتلال..
فلا نامت أعين المتصهينين والجبناء..