في خلفيات تصريحات الرئيس الجزائري حول غزة

23 أغسطس 2024 08:27

هوية بريس – بلال التليدي

قبل أيام تفاجأ الرأي العام العربي والدولي بتصريحات صدرت من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول ما يمكن أن يقوم به الجيش الجزائري في قطاع غزة لو سمحت مصر بفتح الحدود مع قطاع غزة، وحصل تضارب كبير في تفسير كلماته، وما إذا كان يقصد التدخل العسكري، أم مجرد التدخل الإنساني؟ وهل كانت هذه التصريحات مدروسة بالنظر إلى تأثيرها على علاقات بلده بمصر وغيرها، أم جاءت ربما رد فعل على سياسة مصرية في ليبيا كانت مصدر انزعاج جزائري أم أن الأمر يندرج في إطار حملة انتخابية، تقرأ فيها هذه التصريحات على أساس أنها لا تعبر عن موقف رسمي للدولة أو مؤسساتها وبخاصة المؤسسة العسكرية؟

إعلام الدولة العبرية كان أول منزعج من هذه التصريحات، فقد اعتبرت أنه لأول مرة يصدر تصريح من مسؤول عربي يعيد أسطوانة «افتحوا الحدود للجيوش العربية» لتقوم بدورها في تحرير فلسطين، إذ اعتبرت عبر مختلف وسائل إعلامها هذه التصريحات معادية ومصطفة في المحور الإيراني.

ومع أن هذه التصريحات تتهم بشكل ضمني مصر بإعاقة الجزائر عن القيام بدورها سواء العسكري أو الإنساني تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، بل وإعاقة مختلف الأدوار العربية المفترضة في هذا الاتجاه، فإن السلطات في مصر فضلت سياسة الهدوء، ولم تعلق بأي رد فعل رسمي تجاه هذه التصريحات، مع أن وزارة الخارجية المصرية سابقا ردت بقوة على تصريحات مماثلة صدرت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتهم مصر بالمسؤولية عن إعاقة دخول المساعدات إلى قطاع غزة.

بعض وسائل الإعلام المصرية حاولت التخفيف من وقع هذه التصريحات مؤولة تصريحات الرئيس الجزائري على محمل حسن، وأنه كان يقصد فقط دور الجيش الجزائري في العمل الإنساني، وأنه لو تم فتح معبر رفح وكان متيسرا إدخال المساعدات الإنسانية لكن بإمكان الجيش الجزائري أن يقوم بأدوار إنسانية مهمة تخفف معاناة الشعب الفلسطيني. لكان هذا التأويل الحسن نفسه، يتضمن لمزا خفيا للجيش المصري، ولجهود السلطة المصرية، إذ لو كان هذا الافتراض ممكنا لكان الجيش المصري أولى بالقيام المتعين إنسانيا، ولما احتاج إلى دور جيوش أخرى بعيدة.
بعض المعارضين الجزائريين اعتبروا تصريحات الرئيس تبون حماقة سياسية واستراتيجية، لأنها تدخل الجزائر في مربع آخر من الحصار الدولي، بعد أن أفضت سياسة الجزائر الدبلوماسية إلى وضع البلاد في حال من العزلة الإقليمية، حيث ارتفعت درجة المخاطر على الحدود الجزائرية إلى مستوى غير مسبوق سواء من جهة ليبيا أو تونس أو المغرب أو النيجر أو مالي.

أكثرية المعلقين والمحللين حملوا هذه التصريحات على أنها من حماسة الحملات الانتخابية، التي يتم فيها توظيف كل شيء لتحسين التموقع الانتخابي، وأن الرئيس عبد المجيد تبون، أراد أن يدخل ضمن أوراقه الانتخابية ليس فقط الأدوار التي قام بها تجاه القضية الفلسطينية (جمع قادة فصائل المقاومة لتوقيع ميثاق المصالحة بالجزائر) ولكن أيضا الأدوار التي كان يفكر في القيام بها لولا الإكراهات الإقليمية.

تبدو هذه الحجة معقولة، فالرجل تحدث باستفاضة عن الصحراء الغربية، وعن معارك الجزائر ضد المغرب من أجل تحريرها، وتحدث بلغة حماسية عالية عن إصرار الجزائر على المضي إلى أبعد حد من أجل إسناد جبهة البوليساريو حتى تتمكن من مما سماه «تحرير أرضها من الاحتلال المغربي» مع أنه يدرك أن الجزائر خسرت نقاطا كثيرة في هذه القضية، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الدبلوماسي، وأن الرئيس لا يفعل في الجوهر أكثر من إثارة العواطف لكسب أصوات انتخابية أو إرضاء المؤسسة العسكرية أو الأمنية.

في الواقع، هذه الحجة، أي ورقة قطاع غزة في الحملة الانتخابية، مع أنها الأقرب إلى التفسير، إلا أن بعض المفردات التي وردت فيها تبدو مستفزة للجانب المصري، وتدفع البعض للاعتقاد بوجود شيء ما غير مفهوم، يحاول البعض أن يربطه بتحركات حفتر قرب الحدود الغربية للجزائر واستثماره انشغال البلاد بالحملة الانتخابية، ويتم تقديم مؤشر زيارة أسامة حماد رئيس الحكومة في شرق ليبيا ولقائه برئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس الماضي كدليل على حصول تغير في الموقف المصري يضر بالمصالح الجزائرية.

عمليا ثمة انزعاج جزائري كبير من تحركات الجنرال حفتر، خاصة وأنها أضحت مدعومة ليس فقط إماراتيا، بل مسنودة بدرجة أولى من طرف روسيا التي تتطلع أن تكون ليبيا جسرا يمتد به نفوذها إلى مالي ثم موريتانيا، وتستثمر هذا المحور للقضاء على الأزواد الذين كبدوا قوات فاغنر وقوات الجيش المالي خسائر كبيرة، وهناك تخوف جزائري جدي من أن تستعمل أراضيها لعبور السلاح الروسي من ليبيا إلى مالي، أما مصر، فموقفها يساير التطورات يساير تطور الموقف البراغماتي لعدد من الدول المؤثرة إقليميا بما في ذلك موقف تركيا نفسه، إذ لا تتطلع من خلال الانفتاح على الطرفين في ليبيا (حكومة الشرق وحكومة الغرب في ليبيا) إلى أكثر من تحقيق مصالح اقتصادية وتجارية واسعة.
ولذلك نرجح أن تكون تصريحات الرئيس الجزائري مجرد توظيف انتخابي للقضية الفلسطينية، ليس أكثر، ربما استعملت فيها عبارات لم تكن مدروسة بشكل كاف، وأنه من المتوقع أن تكون الدبلوماسية الجزائرية، قامت بدورها تجاه مصر لامتصاص أي ردود فعل ممكنة بهذا الخصوص، وأن الإعلام المصري تلقى إشارات من السلطات المصرية، في اتجاه تكييف هذه التصريحات باعتبارها مجرد حماسة انتخابية لم يكن يقصد منها الرئيس الجزائري بالمطلق الإساءة إلى مصر ودورها، وأن مضمون تصريح الرئيس الجزائري، لا يتعدى الإشارة إلى الجهد الإنساني الممكن بذله ليس إلا.

في المحصلة، قد يكون التوظيف الانتخابي للقضية الفلسطينية خادما للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في كسب بعض النقاط، وقد تكون الدبلوماسية الجزائرية بذلت بعض الجهد لامتصاص الآثار السلبية لهذه التصريحات، وإقناع القاهرة بالهدوء في استقبال كلمات الرئيس الجزائري، لكن في المقابل، إلى الآن، يصعب قياس أثر هذه التصريحات على المستوى الدولي، وكيف تم استقبالها أمريكيا وأوروبيا، بل وكيف يمكن التعامل مع الجزائر مستقبلا على ضوء هذه التصريحات.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M