اختلال الموازين.. والرقص على الجراح!
هوية بريس – د.عبدالكريم القلالي
تحتاج المساجد إلى مكبرات الصوت فيكون الجواب لا مال ولا بُند ولا فائض في الميزانية، ويصلي الناس في ساحاتها المغبرة على زرابي “بلاستيكية” متلاشية في حر الشمس أو صقيع البرد بجهودهم الفردية وتعاون أهل الخير، وتحتاج ساحات الرقص إلى مكبرات الصوت فتتوفر “السيولة” وأحدث التجهيزات، ووسائل التنظيم والراحة ! بأي حق تهمل جموع المصلين والمستغفرين وتُكرِم جموعا أخرى بسخاء ! أين العدل بله الدين؟!
وتحتاج المستشفيات إلى أجهزة طبية فيكون الجواب أنها معطلة أو لا ميزانية لاقتنائها! بأي منطق أو قانون أو شريعة يترك الناس بلا أجهزة طبية تحفظ حياتهم ويتنقلون بين المدن بجيوب فارغة أهلكهم الأسى قبل المرض! يدخل المريض يده في جيبه ولا يجد أجرة وسيلة النقل، فينسى الألم الذي يبحث عن علاجه! ثم توفر الملايين في ذات المدينة لمن يهز “الأرداف” ويمسخ ما بقي من أخلاق وكرامة!
أحياء مهمشة في المدينة تغرق في الأوحال كل شتاء، وفي الغبار كل صيف، عمّرت سنوات بلا تجهيز بدعوى عجز الميزانية التي تصرف في ليلة واحدة على ما يهدم المجتمع ويفكك عراه!
اكتظاظ وازدحام وإهدار للوقت والعمر -أثمن ما يملك الإنسان- كل صيف في طوابير الانتظار، ومن يُفترض فيه أن يخطط لفتح الطرق وتخفيف المشكلات مشغول بالتفكير فيمن سيعتلي المنصات!
إن الملايين التي تمنح في ليالي مهيجة تكفي لإسعاد عشرات الأسر، وإن مبالغ تعطى بغير حق ولا سخاء لمن تعتلي المنصة أحق بها أرامل ويتامى في أعالي الجبال وهوامش المدينة لا مسكن لهم ولا طعام ولا دواء!
إن هذا “المال العام” الذي ينفق في غير وجه حق يمكن أن تشترى به عشرات سيارات النقل المدرسي لفك العزلة عن المتعلمين الذين تبللهم الشتاء ويستمعون إلى الدرس وهم يرتعشون بردا!
إن هذه الملايين كان يمكن أن تسهم في تنمية المدينة والبلد لو وُجهت لطلبة نبغاء لا يجدون العشاء إذا وجدوا الغذاء ! وقد لا يحضرون الدروس لأنهم لا يجدون ما يؤدون به ثمن الكراء!
إن هذه الملايين يمكن أن تنقذ حياة شباب يمتطون قوارب الموت عند “نزول الضباب” يبحثون عن حياة ثم يصيرون غذاء للحيتان، مخلفين يتامى أو أسرا مكلومة ! فأي الأسر أحق بالإسعاد أسر تغني وترقص أو أسر تبحث عن دراهم تؤمن بها غذاء أو فاتورة كهرباء!
ماذا لو صرفت الملايين في مشاريع تنموية لأسر فقيرة لو أنجزنا 50 مشروعا كل سنة لأنقذنا أسرا من البأس والفقر، ولحققنا تكافلا اجتماعيا يحقق التعاون والمودة والرحمة، بدل هذا الرقص الذي يؤدي إلى طبقية في المجتمع وتفكك للعرى والأخلاق!
هل نلوم جماهير اختلت موازينها وترقص على أزماتها؟! أو مسيرين فقدوا بوصلتهم؟!
لقد “اختلط الحابل بالنابل” و”طفح الكيل”، و”بلغ السيل الزُّبَى”.