حكم سَوْق بهيمة الأنعام وذبحها عند أضرحة الأولياء (ج1)

19 سبتمبر 2024 15:12

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

من صور الذبح عند أضرحة الأولياء ما يعرف بـ”الهدية”، حيث تُقدّم بهيمة الأنعام للذبح عند عتبة الضريح. تُهيّأ البهيمة وتُقلّد إما بثوب معين يُلقى على ظهرها أو بأي شيء آخر للدلالة على أنها مقدمة كهدية، ثم تُساق في موكب مهيب، وأحيانا مصحوبة بفلكلور شعبي.

هذه الممارسة، وفقًا للفقه الإسلامي، تُعد بدعة محرمة بلا شك، حتى لو كان الهدف المعلن لصاحب البهيمة هو إطعام الفقراء. وعلة التحريم تعود إلى أن سوق البهيمة مع إشعارها وتقليدها يمثل مظهرًا من مظاهر العبادة، وقد خُصص هذا النوع من التعبد بمكة المكرمة في موسم الحج فقط. وقد ورد عن الإمام مالك رحمه الله في “المدونة” قوله: “سَوْق البدن إلى غير مكة من الضلال”. واتفق علماء المالكية على تبديع هذه الصورة وتحريمها. وفي كتاب “أقرب المسالك” للشيخ الدردير، ورد أن “سَوْق الهدي لغير مكة من البدع والضلال لما فيه من تغيير معالم الشريعة المطهرة”. اهـ

وتغيير معالم الشريعة يُعتبر تحريفًا خطيرا للدين، وهذا مرفوض في مذهب الإمام مالك، بل في جميع المذاهب الإسلامية المعتبرة. ومن الغريب أن بعض المنتسبين للعلم من الجهات الرسمية يحاولون تبرير هذه الممارسة بحجة أنها تهدف لإطعام الفقراء، وهذا في ذاته عمل محمود. ولكن قرائن الأحوال الجلية تدفع هذا المقصد، أو على الأقل لا تفرده وتشير إلى أن هناك مقاصد أخرى مشبوهة، إذ لا يبدو أن إطعام الفقراء يتطلب هذه الطقوس المعقدة، ولا يوجد أي مبرر شرعي لتقديم الذبائح بهذه الطريقة عند الأضرحة.

وحتى لو افترضنا جدلاً أن الطريقة الوحيدة لإطعام الفقراء هي عبر تقديم الذبائح بهذه الصورة، فإن تقليد البهيمة وسوقها في موكب مهيب يُعتبر تعظيمًا لمكان لم يعظمه الشرع وإعطاؤه مكانة كتلك التي خصصها الله لمكة المكرمة. وهذا التعظيم غير المشروع يُعدّ منافسةً لما خصه الله من شعائر الدين، وهو ما لا يجوز باتفاق العلماء، وفي مقدمتهم علماء السادة المالكية رحمة الله عليهم . كما ورد في كتاب “مناهج التحصيل..وشرح المدونة وحل مشكلاتها” لأبي الحسن الرجراجي: “فإن قصد بذلك تعظيم تلك البلدة وتفخيما لشأنها: فلا خلاف في منع ذلك، لأن ذلك من خصائص مكة وبذلك وأمثاله شرفها الله تعالى”. اهـ

الخلاصة: إن سوق بهيمة الأنعام وتقليدها وتقديمها كهدية عند أضرحة الأولياء كما تقيمها الجهات الرسمية في المواسم في المغرب هو بدعة محرمة في الإسلام، لأنه يُعد مظهرًا من مظاهر التعبد التي خُصصت لمكة المكرمة. وأي محاولة لتبرير هذه الممارسة بحجة إطعام الفقراء تفتقر إلى السند الشرعي، إذ يمكن إطعام الفقراء بطرق أخرى مشروعة دون اللجوء إلى مثل هذه الطقوس.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M