“نحن” و”الصهيونية”.. ماذا بعد سقوط الدول واستسلامها؟؟

01 أكتوبر 2024 17:49

هوية بريس – إبراهيم الطالب

بداية نريد أن نقرر حتمية تاريخية وهي أن العاقبة للإسلام والمسلمين، فبهذا يخبرنا الله سبحانه، ويُعْلِمنا التاريخ، فلا ينبغي بحال أن يُحمل الكلام التالي على محمل الانهزام أو التثبيط، فهو للبيان وإعادة تركيب الصورة.

فما المقصود بـ”نحن”؟

هذه الـ”نحن” فَقَدت نُونَيْها وصارت “حْ”، حرفا ساكنا منفردا جامدا، يعبر عن الألم الجمعي، وعن آهات الثكالى في بقايا الأحياء الغزاوية.

هذه الـ”حْ” هي بقايا “النَّحْنُ” المثقلة بالجراحات والخيانات والإخفاقات، يحملها الشهداء على أكتافهم الشريفة، مثل “راية” جهادية شامخة، ينتظرون إخوانهم ليلحقوا بساحة المقاومة، ويأبون أن يدعوها تسقط بين أرجل الصهاينة.

“حْ” سينبت لها في جانبيها مرة أخرى نونان جديدان، نون من النخوة في الميمنة، ونون من الإيمان في المَيْسرة؛ هذا هو الأمل الذي ينبغي ألا يفارق أبدا قلوبَ المؤمنين بالله ثم بعدالة قضيتهم. 

لكن دعونا من الأمل الآن، ولنَرَ الـ”نحن” كما هي في الواقع.

إنَّ “نحن” هي:

– تلك الدول العربية التي تقف على أبواب دولة الصهاينة لتوقع على “اتفاقية أبرهام”.

– هي تلك الدول الأخرى التي طبعت مع العدو الصهيوني.

– هي العراق الذي هوى من ذروة العز والصولة.

– هي الجيوش التي كانت ترعب بني صهيون فصارت بلا أثر ولا عين.

– هي سوريا الجريحة القاتلة المقتولة.

– هي اليمن السعيد الذي أصبح مجرد ميلشيات تحاكي دور دولة تنتظر مصير غزة وجنوب لبنان.

– هي السودان المتحارب مع نفسه من أجل غيره.

– هي السعودية القابعة في “قاعة الانتظار الصهيونية” من أجل توقيع اتفاقية الخنوع بعدما خلعت عن رأسها نخوة الدفاع عن الأمة والإسلام.

– هي الإمارات العِبْرية التي تنشر الشر والقتل في شعوب الأمة بالوكالة عن بني صهيون.

– هي البحرين الراقصة مع الصهيونية على جراح غزة وفلسطين.

– هي مصر الحارسة لأمن الصهاينة، الساجنة لأبنائها حتى ينام عدوها بسلام.

– هي ليبيا الممزقة التي تأكل أبناءها، ريثما يَحُلُّ عدوُّها بدارها.

– هي تونس الغبراء بعد اخضرار، تقتات على موائد الإمارات العِبرية حتى لا ترجع لهويتها بعد أن سقطت عن رقبتها أغلال بورقيبة.

– هي جزائر العسكر البغيض الذي يحول دون نهضة بلاده، ويضطر جاره المسلم ليتسول الاعتراف بأرضه من عدوه.

– هي المغرب الشريف المرابط الموحد، التائه الفقير المستلب المطبع الحالم بغد في يد الصهاينة، الذين يتسربون كل يوم من مسام جلده إلى سويداء قلبه.

فهذه الـ”نحن” الجريحة يا سادة، بعراقها وشامها وخليج عربها ومغاربها، فمن هي الصهيونية؟

الصهيونية ليست هي اليهود، وما كان لليهود أن تكون لهم كل هذه القوة.

الصهيونية هي وريثة الإمبريالية الغربية ذات الماضي الصليبي.

الصهيونية هي تلك الآلة السياسية الثقافية العسكرية الاقتصادية التي استدرجت مصر إلى كمب ديفيد، والأردن إلى وادي عربة، وعرفات إلى أوسلو، والمغرب والبحرين والسودان والإمارات إلى هوة التطبيع السحيقة.

الصهيونية هي فكر وعقيدة لا يهودية ولا نصرانية ولا مسلمة.

الصهيونية هي القوة المترامية الأطراف في كل البلدان، هي التي تجعل كل سيناتور أمريكي كركوزا بيد عضو من أعضاء الأيباك، لا يرى إلا ما يريه ولا يقول إلا ما يريد.

الصهيونية هي ذلك الكل المركب من أجزاء متناثرة في بلدان العالم يمنع الحق أن يقوم، ويدعم الباطل لكي يسود.

الصهيونية هي ممثِّلةٌ في هوليود، هي دولار مزين بهرمه تعلوه عين الدجال، هي طبيب في منظمة الصحة العالمية، هي مسؤول في صندوق النقد الدولي، هي رئيس للبنك الدولي، هي خبير في بورصة وول ستريت وهي كذلك صديقه المتربص في بورصة كوالالمبور.

الصهيونية هي جيوش صيانيم “يعقوب كوهين” في ربيعه، الذين يتوزعون في مفاصل كل دولة لخدمة مصالح أرباب الشركات الكبرى.

الصهيونية هي المالكة للمال المتحكم في الاقتصاد والثقافة والتشريع، الذي يمول منظمات حقوق الإنسان، ومنظمات الشواذ للواطيين، هي من تجعل من محبي الجنس المثلي قوة في العالم تحارب العفة والأسرة والأخلاق والقيم..

هي تلك “الذين” في قوله تعالى:

“وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا، يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا”. (النساء:27-28).

أتباع الشهوات هم عبدة: شهوة الرئاسة، وشهوة المال، وشهوة الجنس، وشهوة الأكل والشرب/الاقتصاد؛ فهم الذين يناضلون حتى يصبح الشذوذ/اللواط حقا، وهو مجرد شهوة، والجنس المحرم حرية وهو مجرد شهوة، وقتل الأجنة/الإجهاض حقا للمرأة وهو محو لآثار الشهوة، حتى لا تعيق الاستمتاع بشهوات أخرى، هم من يقيمون الحروب من أجل النفط للاستكثار من شهوة المال، هم من أشعلوا الحرب العالمية الأولى والثانية، من أجل المال.  

الصهيونية هي كل هذا، لكنها ليست الغول أو العنقاء، هي طبقات فوق طبقات عليها طبقة قليل عديدها، هي من تقرر من يرأس الدول المؤثرة في العالم، تتمظهر في شركات تراود الفلاح المغربي مثلا، لتستحوذ على أرضه.

فهذه الصهيونية هي التي تمنع من تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الآمرة باعتقال النتنياهو والإرهابيين من حكومته.

لذا نتساءل: ماذا بعد سقوط الدول واستسلامها؟؟

وما العمل بعد سقوط الدول في هوة التطبيع؟؟

لا بد أن التحديات القادمة كبيرة في وجه الشعوب العزّل، خصوصا بعدما أفلست الأحزاب السياسية التي صكت سمع الزمان بمشاريع الإصلاح، التي كانت تحمل في جسمها عنصر موتها وفشلها، لأنها لم تعبر يوما عن الأمة في بعدها التاريخي والعقدي، بل كانت إما شرقية حالمة بحكم الشعب نفسه بنفسه، أو غربية الهوى تستجدي العالم الغربي ليساعدها في بناء ديمقراطية لم تتجاوز غرفة العمليات، وفي بعض الدول كانت شبيهة بالديمقراطية التي بشرَّ بها وجلبها بوش للعراقيين.

لقد أفلست الدول، وماتت الأحزاب، وشوهت الحركات والأحزاب الإسلامية، وفتحت الحدود في وجه الصهيونية، وصار جسم الأمة نهبا مرة أخرى للآخر.. “الآخر” الذي يتماها معه جزء كبير من “الأنا” بوعي وبدون وعي، يجري هذا في سياق وطني ودولي تحكمه السيولة في كل شيء، سيولة ذكرها مؤخرا “جاريد كوشنر”، كبير مستشاري دونالد ترامب، معلقا على موت زعيم “حزب الله” حين قال على منصة “إكس”:

“الشرق الأوسط هو -في كثير من الأحيان- عبارة عن مادة صلبة لا يتغير فيها إلا القليل، أما اليوم فهو في سيولة، والقدرة على إعادة تشكيله غير محدودة فلا تضيعوا هذه اللحظة”.

فهذه السيولة التي يتحدث عنها الغلام الصهيوني، والقدرة التي تمنح لقبيلته فرصة تشكيل الشرق الأوسط، تحيلان على “إيديولوجيا” الشرق الأوسط الكبير والتي تأسست على طروحات المؤرخ البريطاني اليهودي الصهيوني برنارد لويس والتي ضمنها في مقال له نشر في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان: “إعادة هيكلية الشرق الأدنى” عام 1992م.

إلا أنه سبقه إلى الفكرة صهيوني آخر وهو “شمعون بيريز”، وذلك بعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، حيث طرح “مفهوم الشرق الأوسط الجديد (الكبير)، وألف كتابًا بنفس العنوان يدعو فيه إلى اختراق العالم العربي، من خلال النشاط الاقتصادي بالتوازي مع الدعم الأمريكي السياسي والاقتصادي للمنطقة العربية.

 كما ظهر مفهوم (الشرق الأوسط الكبير) أيضا في التقرير الاستراتيجي السنوي لعام 1995م، الصادر من معهد الدراسات الاستراتيجية القومية التابع لوزارة الدفاع الأميركية.

فالأمة اليوم وأكثر من أي وقت مضى تحتاج إلى زعماء مسلمين مخلصين جدد، يخرجون من تحت الركام ليقودوا المرحلة القادمة، للحيلولة دون انخراط الشعوب في التطبيع، يستفزون كل قواها الحية للعمل وللمزاحمة في كل الميادين السلمية، والمقاومة والجهاد في الميادين التي يحمل فيها العدو السلاح.

إننا نحتاج إلى رأسمال اقتصادي يحمل همّ مستقبل الأمة يتجاوز الهزيمة وآثارها، ليمول مشاريع نهضة جديدة مقاومة للتغلغل الصهيوني.

لقد وقف نتنياهو بعد كل الإبادات وكل جرائم الحرب في قاعة الجمعية العمومية بالأمم المتحدة، وذلك بعد اغتيال هنية وقبيل اغتيال حسن، يتوعد القائمين على المنظمة وخصوصا المحكمة الجنائية، وفي ذات الوقت يبشر العالم الغربي والعالم العربي بالمال والرفاهية والصفقات والعيش الباذخ.

أكيد أن الصهيونية التي لا تعتبر دولة الكيان سوى آلية وظيفية تحقق بها السيطرة على المنطقة والحيلولة دون استقرارها، وإغراق دولها في سلسلة من الحروب، تستنزف ثرواتها وتشتت ولاءاتها، عازمة على المضي قدما من أجل إرساء اتحاد اقتصادي هو ذاته الشرق الأوسط الكبير، تكون “إسرائيل الكبرى” قائدته، في شراكة مع أشباح زعماء العرب.

نستشف هذا من خلال نظرة فاحصة عجلى على الخط الزمني منذ أول مؤتمر للصهيونية سنة 1897م مرورا بوعد بلفور 1917، ثم ما تلاه من تهجير لليهود إلى فلسطين، وثورة 1936، والاعتراف الدولي بالكيان سنة 1948، والنكبة في ذات السنة، والنكسة في سنة 1967، وجوالات التطبيع من 1973 إلى غاية اتفاقية أبراهام المجددة لاتفاقيات التطبيع القديمة، وانتهاء بطوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، وتدمير غزة وإبادة أهلها، واغتيالات القادة والهجوم البري على لبنان، وما تخلل الربع قرن الأخير من ملفات كبرى، مثل: الحرب على أفغانستان والعراق وتداعيات الربيع العربي، والثورات والانقلابات المضادة، كل هذا يبدو أنه يتجه نحو تهيئة المجال لتنزيل خطط “الشرق الأوسط الكبير”، لهذا فإن الصهيونية من خلال دولة كيانها لا تمل من إغواء كل الدول العربية التي لم يبق لحكوماتها أية شعبية، وأية فرص للاستمرار في الحكم، من أجل ركوب سفينة التطبيع للرحلة إلى العالم الجديد، الذي ينتظر رسو نظام دولي جديد.

في الختام: لا أريد أن أبث الضعف في النفوس، ولكن هي دعوة إلى الخروج من حالة الزهو التي خلفها طوفان الأقصى، والعودة السريعة للتموضع على أرض الواقع.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M