مجتمع المغاربة والقرآن.. تعدد مظاهر الارتباط
هوية بريس – محمد زاوي
1- الإقبال على حفظ القرآن والاحتفاء بحملة كتاب الله في المغرب
ما زال المغاربة يقبلون بشكل كبير على حفظ القرآن الكريم، في البوادي والمدن أيضا، حتى إن عددا من الأسر القروية ترسل أبناءها إلى الحواضر لحفظ القرآن وإتمام دراسته.
وفضلا عن أن عددا من المغاربة يرغبون في ولوج سلك الأئمة والمرشدين وباقي مسالك التعليم العتيق من خلال إقبالهم على حفظ القرآن إلا أن عددا كبيرا من المغاربة يحفظه رغبة في الأجر والثواب وخير الدنيا والآخرة.
وبسبب هذا الإقبال على حفظ القرآن الكريم والعناية به فقد أصبحت المملكة المغربية تحتل مراتب مهمة في المسابقات المتعلقة به، من قبيل مسابقات الحفظ والقراءة والخط الخ.
وقد ساهم في هذه المكانة المغربية الطريقة التي يعتمدها المغاربة في الحفظ والمراجعة، باستعمال الألواح، وكذا مختلف أساليب المراجعة الفردية والجماعية، أضف إلى ذلك ما يعرف في بعض البوادي بـ”التخناش” وهي أبيات عامية أو باللغة العربية لضبط المتشابهة وتحصين مواضع المصحف.
2- كيف نفسر الإقبال المغربي على حفظ القرآن الكريم؟
وبخصوص تفسير هذا التفوق المغربي، قال رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة امحمد الهلالي في تصريح لمجلة “المجتمع” (2022)، إن “صدارة المغاربة للترتيب العالمي توافق خلاصات متواترة لدراسات علمية محكمة تضع المغرب في رتب متقدمة بمجالات التدين، إذ أنه الثامن عالميا، والثالث عربيا في عدد المساجد بعد السعودية ومصر، والأول في شمال إفريقيا بحوالي 52 ألف مسجد”.
وتابع د.الهلالي أن “ذلك يترجم شغف الشعب المغربي بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة وتجويدا وعناية، كما يعتبر تتويجا طبيعيا للجهود الشعبية والرسمية المبذولة خاصة خلال العشر سنوات الماضية في مجال العناية بالقرآن وفي مجال إرساء بنيات مؤسساتية تعنى بالقرآن الكريم، ودون إغفال دور المحسنين والمجتمع المدني في الدعم والإشراف على هذه المشاريع التربوية والعلمية التي تهتم بتحفيظ النشء للقرآن الكريم وتلقين تجويده”.
وزاد: “يتوفر المغرب على بنية مؤسساتية لحفظ القرآن وتعلم علومه بما يزيد على 29 ألف مركز وكُتاب أغلبها مرتبط بالمساجد أو ملحق بها، نحو ثلثيها (68٪) يوجد بالمجال القروي. وتتجه الظاهرة إلى أن تكون مؤنثة بتزايد مطرد لنسبة للإناث في صفوف المقبلين على مراكز التحفيظ؛ حيث تقترب نسبة الإناث من 50٪، كما هي حالة مجتمعية ومدنية متصلة بعمل المحسنين وبمبادرات المجتمع المدني مع إشراف وتأطير إداري وبيداغوجي كامل من الوزارة الوصية”.
وأردف أن “الإقبال على حفظ القرآن خاصة في العالم القروي يتم في المناطق التي يسجل فيها أكبر نسب للهدر المدرسي، وهو ما يمثل أحد تفسيرات ارتفاع الإقبال على العرض التعليمي الميسر والمتاح والأكثر ولوجية بالنسبة لأبناء العالم القروي، كما يسمح بالقول بأن العرض التعليمي القرآني ما زال يمثل منافسا للرسمي، وهو ما يسائل التبريرات التي تربط ظاهرة الانقطاع عن المدرسة بعوامل سوسيولوجية، أو بالعقليات والوضعيات المادية للأسرة، أو بظاهرة تشغيل الأطفال في العالم القروي”.
3ـ إقبال النساء على حفظ القرآن في المجتمع المغربي
كانت قد كشفت معطيات جديدة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (2015) أن النساء هن أكثر إقبالا على حفظ القرآن في المدن المغربية، بحضورهن القوي في المراكز التابعة للمجالس العلمية المحلية التي تضم بالغين، سواء كمتمدرسات أو مؤطرات متخصصات في تحفيظ القرآن.
في المقابل تستمر هيمنة الذكور على أسلاك التعليم العتيق والكتاتيب القرآنية التي تضم غالبية من الأطفال.
وتبين المعطيات الخاصة بمراكز تحفيظ القرآن الموجودة في المدن، أن غالبية روادها هم من البالغين الإناث، حيث تشكل النساء أكثر من 80 في المائة من مجموع المتمدرسين الراغبين في حفظ القرآن، كما أن آخر المعطيات المحينة كشفت أن قرابة نصف مليون طفل وشاب مغربي يتابعون دراستهم داخل هذه المؤسسات العتيقة، القسم الأكبر منهم 376.000 متمدرسون في الكتاتيب القرآنية إلى جانب 90.000 يقومون يقومون بحفظ القرآن داخل مراكز متخصصة تابعة للمجالس العلمية المحلية، و21.000 تلميذ وتلميذة مصنفين ضمن أحد الأطوار الدراسية للتعليم العتيق، الذي ينتهي بالحصول على شهادة الباكالوريا للتعليم العتيق.
معطيات الوزارة، قالت إن الكتاتيب القرآنية مؤسسات شبه خاصة بالعالم القروي، حيث تتوزع نسبة تفوق 84% من مجموع الكتاتيب البالغة 13.000 و5600 كتّاب، بين قرى ومداشر المملكة. فيما تتخذ مؤسسات مراكز تحفيظ القرآن التابعة للمجالس العلمية المحلية صبغة حضرية، حيث يوجد 74% من هذه المؤسسات البالغ عددها 1707 مركز، في المجال الحضري.
4- القرآن وظاهرة التسول
انتشرت في المجتمع المغربي مؤخرا ظاهرة التسول باستعمال ألواح حفظ القرآن الكريم، في إشارة إلى أن المتسول “طالب” يحفظ القرآن الكريم ويحتاج إلى ما يسد به رمقه ويقضي به حاجياته التي يتطلبها حفظ القرآن.
وقد أقبل الناس على هذه الظاهرة في بداياتها بتقديم المساعدات المالية والعينية للمتسولين، انطلاقا من المكانة التي يحظى بها القرآن وأهله في المجتمع المغربي.
إلا أن هذا الإقبال لم يستمر مع مرور الزمن، بسبب اكتشاف احتيال بعض المتسولين الذين لا يربطهم بالقرآن الكريم إلا التسول معتمدين على ألواح مكتوبة كوسيلة لذلك.
هذا ويستنكر كثير من المواطنين هذه الظاهرة التي تؤثر سلبا على صورة أهل القرآن في المغرب، بل ويمتنعون عن تقديم المساعدات للمتسولين، معتبرين الأمر في أغلبه مجرد احتيال.
5- القرآن في مناسبات المغاربة
يحتفي المغاربة على طريقتهم بأهل القرآن في مناسباتهم الاجتماعية، من عقائق وأعراس وحفلات ختان ومآثم وغيرها من المناسبات.
وقد اعتاد المغاربة في مدنهم وقراهم على دعوة إمام مسجد الحي أو الدوار ومعه عدد من حملة كتاب الله، رغبة منهم في إضفاء البركة على المناسبة المقامة.
إلا أن بعض المظاهر التي اعتادها المغاربة في هذه المناسبات تلقى بعض الانتقادات الشرعية، خاصة في ما يتعلق بالقراءة الجماعية وما تعرفه من سرعة في القراءة وعدم الالتزام بضوابط وقواعد التجويد.
كما أن الانتقادات تطال أيضا المقابل الذي يحصل عليه المدعوون من حملة القرآن، والذي أصبح شبه واجب على منظمي المناسبات.
وكذلك ينتقد موقف فقهي المناسبات المنظمة عند وفاة شخص ما، لورود صيغة تحريم فيها حسب تأصيل الموقف الفقهي المذكور.
وللمالكية أقوال وآراء في هذا الموضوع، منها ما يلتزمه المغاربة، ومنها ما تأخذهم عنه العادة الاجتماعية التي دأبوا عليها.
6- القرآن وممارسات الشعوذة
ومن شدة ارتباط المغاربة بالقرآن الكريم، فإن عددا من الناس أخذوا يلجؤون إليه بطرق غير صحيحة طلبا للمآرب والأغراض الدنيوية.
ومن ذلك بعض الشعوذات المنتشرة باسم “الرقية الشرعية” بشقيها المغربي التقليدي (“الصرع”، “الحروز”، الخ)، أو المشرقي الوافد (حيث الحوارات المطولة مع شياطين مفترضة وأمراض عصبية خفية).
وقد احترف حديثا هذه الحرفة أناس لا علاقة لهم بحفظ القرآن، وكل ما يحفظونه مقاطع قرآنية أو أدعية يستخدمونها على سبيل الإيحاء لعقول المرضى.
وقد صرح بعض ممتهني هذه الحرفة والتائبين منها بأساليب الإيحاء والتأثير، كما تحدث آخرون بمعطيات مثيرة منها أن عددا من ممتهني “الرقية” لا يصلون الصلوات الخمس وربما يمارسون عملهم وهم جنب.
وقد كشفت الأحداث سقطات جنسية خطيرة لبعض ممتهني الرقية ما جعل الكثير من المغاربة يضعون هذه الحرفة محل شك وتوجس.
7- قول الفقيه.. الشفاء بالتدبر
في مسألة الرقية يقول د. يوسف القرضاوي رحمه الله في فتوى له: “فقد نهى الإسلام عن تعليق التمائم وجعلها طريقا يؤدي بصاحبه إلى الشرك، أما الرقية فهي جائزة بشروط:
-أن تكون بذكر الله تعالى وبأسمائه.
-أن تكون باللسان العربي وما يفهم معناه.
-أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى”.
أما بخصوص طلب الشفاء من الأمراض النفسية فيدعو الدكتور القرضاوي إلى عرض المريض على “طبيب مختص لا أن يذهب المريض إلى الدجالين والمشعوذين، فقد أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن نأخذ بالأسباب فقال “تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء”. (موقع د. يوسف القرضاوي)
أما من أراد الاستفادة المعرفية والأخلاقية من القرآن، فقد يجد ضالته في مشروع “مجالس القرآن الكريم” للدكتور فريد الأنصاري -رحمه الله-، فهو مشروع للقراءة والتفسير والتدبر بمعنى “النظر في آفاق الآيات في النفس والمجتمع” (راجع “بلاغ الرسالات القرآنية” و”مجالس القرآن: الدليل”).