الدولة واللغة.. في مناقشة أحمد عصيد

20 أكتوبر 2024 01:27

هوية بريس- محمد زاوي

خلال مروره ضيفا على برنامج “بدون لغة خشب” تحدث أحمد عصيد في عدة قضايا سياسية وثقافية واجتماعية، وقد ارتأينا أن نناقشه في واحدة منها، وهي قضية عربية الدولة المغربية وعلاقة المغاربة بالأمازيغية. وإن النقاش الذي نخاطب به عصيد في هذه المقالة المختصرة، ليس نقاشا علميا محضا، وليست عينه على الحقيقة العلمية فقط، وإنما هو نقاش سياسي تاريخي إيديولوجي محكوم بإشكالية وحيدة هي: مصلحة المغرب.

يقول أحمد عصيد إن الاكتشافات الأركيولوجية والأنثروبولوجية الأخيرة أثبتت أن الإنسان في المغرب قديم، وقد سبق الرحلات التي يقال إن الأمازيغ خاضوها انطلاقا من اليمن باتجاه المغرب. ولذلك، حسب عصيد، فالرواية التي تدرَّس للمغاربة في كتب التاريخ تحتاج إلى إعادة نظر!

هذا الطرح، وما يتفرع عنه من مناحٍ في البحث جعلت البعض يبحث في الأصول الجينية للمغاربة، قد يفيد من الناحية العلمية وكذا في دراسة المجال الذي نعيش فيه دراسة أنثروبولوجية ما قبل تاريخية؛ إلا أنه -يعني هذا الطرح-يخفي أهم نقطة في النقاش وهي مسألة الدولة. ليس نقاش اللغة، خاصة الكتابية والعالِمة، مرتبطا بوجود الإنسان في بلاد المغرب، وإنما بتأسيس الدولة.

فلما عجزت الكونفدراليات القبلية الأمازيغية عن توحيد نظامها السياسي-الاجتماعي، أو لنقل: لما عجزت عن اختصار طريقها إلى طي هذا العجز، كان الحل وافدا ومر بمرحلتين: نشر الأساس الإيديولوجي للدولة، ثم تأسيس الدولة. المرحلة الأولى مهمة الفتح، والثانية كانت مهمة الأدارسة. اللغة العربية لعبت دورا هاما في المرحلتين معا، فكانت أداة للأدلجة (الدعوة = التوحيد العقدي) في المرحلة الأولى، ووسيلة للكاتبة والإدارة والتعليم (السيطرة = التوحيد السياسي) في المرحلة الثانية.

وبالتالي، فاللغة في هذه الحالة ليست لغة إنسان ولا هي ذات علاقة مباشرة بوسائل الإنتاج (وهذه حقيقتها الأولى والأصلية)، وإنما هي لغة دولة ارتبطت بمصالحها وعلاقاتها عبر التاريخ. وعبر هذا التاريخ نفسه، تمت عملية التعريب التقليدي (الديني) والحديث (المدرسة)، وهي عملية لم تكد تسلم منها فئة من فئات المجتمع المغربي. فلم يعد الحديث عن الأمازيغية في خضمها غير حديث ثقافي يتقاسمه المغاربة جميعا، لا حديثَ إدارة ونظام سياسي-اقتصادي. فإذا كانت الثقافة تقبل التنوع في إطار وحدة إيديولوجية وطنية، فإن الإدارة والسياسة بما هما مجال لحفظ المصلحة العامة وتدبيرها لا يقبلان التنوع، بل يعرقلهما ويضعفهما.

الأصل في الخلاف السياسي مع عصيد معرفي فكري، وذلك لأنه يجعل الإنسان بخصوصياته الفردية منطلقا له في السياسة، في حين أن السياسة بما هي فعل دولة (بمعناها التاريخي المرتبط بالتفاوت الاجتماعي والملكية الخاصة) لا تخضع لرغبات الأفراد وقناعاتهم وأفكارهم، بل تعمل على إخضاع كل ذلك لنظامها الاجتماعي وأدواته السياسية والإيديولوجية.

قد يحتج عصيد على هذا الكلام بالتجربة الغربية. ونحن نقول: إن هذه التجربة نفسها لا تسلم من هذا التحليل، وإنها عندما دعت إلى تحرير الإنسان فقد دعت إلى ذلك وفق تصور البورجوازية الأوروبية الصاعدة، وسرعان ما استتب نظام هذه الطبقة الجديدة حتى أصبحنا نتحدث عن سيطرة من نوع خاص، ظاهرها مفعم بقيم الليبرالية، وباطنها مليء باستغلال الرأسمالية. لو لم يكن الأمر كذلك لما تعالت صرخات آرثر شوبنهاور وفريدريك نيتشه وإميل سيوران في مجتمعات أوروبية تسيطر فيها قيم دولة الرأسمال، ولما كتب ناعوم تشومسكي كتابيه “الدولة المارقة” (السيطرة الخارجية) و”صناعة الإعلام” (السيطرة الداخلية).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M