وقفات علمية مع شريط الشيخ مشهور حسن -حفظه الله-

26 أكتوبر 2024 15:34

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

♦ أرسل إلي أخ فاضل شريطا للشيح مشهور حسن آل سلمان رابطه في الأسفل، يتحدث فيه عن الحرب الدائرة في غزة، وطلب مني أن أبدي رأيي في بعض ما جاء في هذا الشريط، وبالأخص فيما قاله الشيخ مشهور من الدقيقة 36 إلى الدقيقة 44.

ولقد أجبت الأخ الفاضل وأبديت له رأيي ، ورغبة مني في تعميم الفائدة أنشره الآن مع زيادة بعض الأمور.

◆ وخلاصة ما ذكره الشيخ مشهور حسن في الدقائق المعينة ما يلي:

1- أن الولاء والبراء يتبعض في المسلم، فنواليه فيما وافق فيه الحق، ونتبرأ مما خالف فيه الحق، وهذا منهاج أهل السنة والجماعة.

2- أن المقاومة أو حماس في غزة تقاتل المحتل الظالم ، ولهذا يجب على المسلمين أن يؤيدوها وينصروها، وهذا من الولاء المطلوب شرعا.

3- أن انغماس حماس في الرافضة لا نؤيدهم فيه ولا نواليهم، وهذا من البراء المطلوب شرعا.

4- أن المسلم الاردني إذا أيد المقاومة في غزة، فهذا لا يعني أنه ضد دولته. بل سياسة دولة الأردن توالي المقاومة وتعادي الرافضة.

5- أن المسلم الأردني إذا أعلن مخالفته للسياسة العامة للدولة الاردنية في موقفها ضد إيران فهو خارجي.

♦ تعقيبات:

◆ النقطة رقم 1:

ينبغي أن نعلم أن الولاء والبراء من مقتضيات التوحيد، والمقصود بالولاء شرعا هو محبة أولياء الله من المؤمنين لأجل إيمانهم ونصرتهم والنصح لهم وإعانتهم ورحمتهم وما يلحق ذلك من حقوق المؤمنين.

والبراء ضد ذلك، ويكون ببغض أعداء الله من المنافقين والكافرين وجهاد المحاربين منهم بحسب القدرة.

وكما نوالي المسلم لقربه إلى الله نعاديه لبعده عن الله، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: “وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الرَّجُلِ الْوَاحِدِ خَيْرٌ وَشَرٌّ، وَفُجُورٌ وَطَاعَةٌ، وَمَعْصِيَةٌ وَسُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ، اسْتَحَقَّ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَالثَّوَابِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ، وَاسْتَحَقَّ مِنْ الْمُعَادَاتِ وَالْعِقَابِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الشَّرِّ، فَيَجْتَمِعُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُوجِبَاتُ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ،.. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَخَالَفَهُمْ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ”. انتهى.

فما قرر الشيخ مشهور حسن في أن الولاء والبراء يتبعض أو يتجزأ في المسلم من صميم عقيدة أهل السنة والجماعة.

◆ النقطة رقم 2:

ما يتعرض له قطاع غزة منذ سنوات عديدة من قبل الكيان الصهيوني، من حصار برا وجوا وبحرا، جعل الحياة فيه صعبة للغاية، تفتقر لأبسط مقومات الحياة الضرورية. كما تعرضت الحقوق الفلسطينية لانتهاكات ممنهجة، مثل القتل المستمر للفلسطينيين وأسرهم في قطاع غزة وخارجه، واغتصاب الأراضي، وبناء المستوطنات الجديدة، وانتهاك حرمة المسجد الأقصى والسعي لتهويده، ومحاولة السيطرة الكاملة على القدس، وتهجير سكان الضفة الغربية…

هذه الحقوق المنتهكة، وغيرها، تدعو إلى جهاد الدفع ضد الكيان الصهيوني، وهو فرض عين على كل مسلم فلسطيني قادر على ذلك. فإذا عجز أهل غزة عن صدّ عدوان الكيان الصهيوني، وجب على الدول الإسلامية نصرتهم، وهذا من الولاء المطلوب شرعا، ويكون الوجوب مؤكدا على الدول القريبة من غزة وفلسطين، كالأردن ومصر وغيرهما من دول الجوار.

◆ النقطة رقم 3:

مصطلح “الانغماس” مصطلح فضفاض وغير علمي ولا شرعي، ولا يُبنى على الوصف به حكم شرعي؛ فالأسماء أو المصطلحات الشرعية تحمل في ذاتها أحكاما مقررة.

فما معنى “انغماس حماس في الرافضة”؟

هل المقصود أن حماس أصبحت تعتقد بعقيدة الرافضة أو بدأت تسمح لهذه العقيدة الضالة بالانتشار في قطاع غزة؟

أم أن حماس بايعت المرشد الإيراني سياسيًا؟

وكلا الاحتمالين بعيد جدا، فالواقع يكذب ذلك، ولا يمكن أن تُبنى الأحكام على الأوهام والشكوك.

أم يُقصد بلفظ “الانغماس” أن حماس بالغت في الثناء عن إيران بسبب ما قدّمته من مساعدات مادية، فأطلقت عليها ألفاظ تزكية دينية دون مراعاة الميزان الشرعي؟

إذا وُجد هذا، فهو توسع غير محمود، وكان على حماس أن تستخدم ألفاظا تعبّر بها عن مرادها وتتجنب هذا الخطأ، خاصة وأن القاموس السياسي يتيح لها ما يغنيها عن هذا التوسع، وعلاقة حماس بإيران علاقة مصلحية سياسية تحكمها المصطلحات السياسية. لكن هذا الخطأ لا يرقى إلى أن توصف حماس بالانغماس في الرافضة، فهذا غلو في وصف المخالفة.

أم يُقصد بالانغماس قبول المساعدات المادية من إيران؟ وإن كان هذا هو المقصود، فأين المشكلة في ذلك من الناحية العقدية أو الفقهية؟

فقبول المساعدة المادية من دولة مبتدعة، بل حتى من دولة كافرة، هو مسألة فقهية من أبواب السياسة الشرعية، تقوم على مبدأ تحقيق المصلحة الشرعية ووجود الضرورة التي تقتضي الرخصة، ولا تدخل في باب الولاء والبراء. وعمومًا، هي مسألة اجتهادية تدور بين الخطأ والصواب، وبين الأجر والأجرين، ولا وجه لإدخالها في باب الولاء والبراء.

وعلى كل حال، فإن لفظ الانغماس مصطلح فضفاض، وغير علمي، وقد يؤدي إلى ظلم حماس في وقت هي بأمسّ الحاجة إلى النصرة والتأييد. وقد أخطأ الشيخ مشهور حسن في استعماله وإدماج مصطلح الولاء والبراء في دائرته.

◆ النقطة رقم 5:

هذا توسع في استعمال مصطلح علمي وشرعي: “خارجي”، إذ إن مصطلح الخوارج له مدلول شرعي يرتبط بما هو عقدي، وفقهي سياسي، ومنهجي. واعتبار كل من يبدي رأيه مخالفا السياسة العامة للدولة الحديثة من الخوارج، أو رميه بصفة “الخارجية”، يُعدّ شططا كبيرا وخطرا في توظيف المصطلحات الشرعية.

فأين وجه “الخارجية” في مجرد إعلان هذا الرأي المخالف أو إعلان هذه المخالفة؟

هل يُقصد بذلك مطلق المخالفة للدولة بغض النظر عن موضوعها؟ أم لأن المخالفة وقعت في أمر يرتبط بالروافض؟

ولا شك أن ما يناسب وصف “الخوارج” هو الحالة الأولى. وعليه، ما حكم من يبدي رأيه مخالفا السياسة العامة للدولة في المعاملات التجارية مع الكيان الصهيوني ويسهّل وصول ما يحتاجه هذا الكيان في وقت حربه على غزة؟ هل يعد خارجيا أيضا رغم أن السماح بتلك المعاملات التجارية تعدّ تقويضا لمبدأ الولاء والبراء؟ والسكوت عنها سكوت عن منكر كبير!؟

وعلى منطق الشيخ مشهور حسن، يصبح كل من يعلن موقفا يخالف سياسة الدولة في التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل الظالم من الخوارج!!؟

وعلى منطق الشيخ كذلك، يصبح كل من يعلن موقفا يخالف سياسة الدولة في اتفاقية أبراهام من الخوارج!!؟

وفي الختام، إن الحديث عن الولاء والبراء، وموقفنا تجاه أهل المقاومة في غزة والمظلومين، ومسألة الخلافات السياسية بين المسلمين يجب أن يتم بعلم وحكمة، وتوظيف المصطلحات الشرعية بدقة دون إفراط أو تفريط. فمن الضروري أن تكون مواقفنا متزنة ومتجذرة في فهم صحيح للعقيدة الإسلامية، بعيدا عن التعميم أو الإسراف في إطلاق الأحكام، واستحضار الواقع المؤثر عليها المرتبط بمفهوم الدولة الحديثة التي خلفها الاستعمار الصليبي قبل ذهابه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M