هذا موضوع “الخطبة الموحدة” بعد غد الجمعة
هوية بريس – متابعة
خصصت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خطبة منبرية في موضوع: «ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة» ليوم: 28 ربيع الآخر 1446هـ، الموافق لـ:01 نونبر 2024م.
وهذا مقتطف من الخطبة:
الخطبة الأولى
الحمد لله ربِّ العالمين، وليُّ الصَّالحين وناصر المؤمنين، نحمده سبحانه وتعالى، ونشكره ونستعينه ونستغفره، إنَّه نعم المولى ونعم النَّصير، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رادَّ لفعله، ولا معقب لحكمه، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله الطَّيبين الطَّاهرين، وصحابته الغرِّ الميامين، وعلى التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:
﴿وَذَكِّرْهُم بِأَييَّٰمِ اِ۬للَّهِۖ إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبّ۪ارٖ شَكُورٖۖ﴾[1].
وإنَّ من أيَّام الله تعالى التي منَّ بها علينا نحن المغاربة أيامَ المسيرة الخضراء التي يخلِّد الشَّعبُ المغربي ذكراها يوم السَّادس من نونبر من كلِّ سنة، باعتبارها محطةً تاريخيةً فارقة، ومدرسةً ملهمةً للأجيال في صناعة التَّاريخ بفضل الله تعالى، ثم بفضل حكمةِ وحنكةِ مبدع المسيرة الخضراء جلالة المغفور له مولانا الحسن الثَّاني طيَّب الله ثراه، وأكرم مثواه، حيث أُلهم رحمه الله فكرة المسيرة الخضراء، واختارها طريقةَ سلميةَ حضاريةَ للتَّعبير عن تمسُّك المغاربة بوحدتهم التُّرابية تجاه قضيتهم، وتوجه رحمه الله بندائه السَّامي للشَّعب المغربي الذي قابل هذا النِّداء بالاستجابة، فقام الكلُّ قومةَ رجلٍّ واحدٍ، طاعةً للإمام، ووفاءً للوطن، وحمايةً للثُّغور والحدود.
فانطلقت المسيرة الخضراء من جميع أقاليم المملكة، حتى أدَّت رسالتها وبلغت غايتها، واعترف القريب والبعيد بعبقرية مبدِعها، وأضحت ملحمةً ملهمةً للأجيال، تُستفاد منها الدُّروس والعبر، نذكر منها في هذا المقام ما يأتي:
أولا: أن حدث المسيرة الخضراء لم يأت من فراغ، بل كان من حكمةِ قائدٍ محنَّك، وزعيمٍ مُلهم، يتحلَّى بإيمانٍ راسخٍ واثق بربِّه، ويتَّصف بأخلاق الأمراء، وحكمة الملوك، وشيَم السَّلاطين.
ثانيا: أن المسيرة الخضراء مَثَّلت أسلوباً حضارياً في استرداد الحقِّ بالطُّرق السِّلمية، ما وُجد لذلك سبيلاً، فهي مسيرةٌ قرآنيةٌ تسلَّح فيها المتطوعون والمتطوعات بالقرآن الكريم، وبإيمانهم بالله تعالى، وتصديقهم بوعده الذي لا يُخلف، مصداقاً لقوله تعالى:
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ اُ۬لْمُومِنِينَۖ﴾[2].
المؤمنين بعدالة قضيتهم، من غير اعتداءٍ على أحد، ولا رغبة في النَّيل من القريب ولا البعيد، بل هي صلةُ رحمٍ بين شمال وجنوب، وشرق وغرب المملكة المغربية، شعبٌ واحدٌ، يحضن أبناءه وطنٌ واحدٌ بكلِّ مكوناتهم الدِّينية، والتَّاريخية، والثَّقافية.
ثالثا: أنَّ المسيرة الخضراء تدلُّ دلالةً واضحةً على وحدة المغاربة، وتشبثهم بأهداب العرش العلوي المجيد، مجنَّدين وراء أمير المؤمنين، بما يمليه إيمانهم وتستوجبه بيعتهم الشَّرعية المنوطة بأعناقهم؛ امتثالاً لقول النبي ﷺ:
» وأنا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ : السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قيدَ شِبْرٍ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ « ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ الله، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: »وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؛ فَادْعُوا بِدَعْوَى الله الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ الله»[3].
قال ابن العربي في شرح هذه الكلمات الخمس: “هي لزوم الطَّريقة التي يتمسَّك بها النَّاس، ولا يكون المرء شاذاً خارجاً عن منهاجهم، وهذه الجماعة هي: الصَّحابة، والتَّابعون، والأخيار المسلمون في جادَّة الدِّين، ومنهاج الحقِّ المبين، وهي جمع الكلمة، واجتناب الفرقة، والاتفاق على أمر”[4].