لا ذكر لهذه الأمة في التاريخ والحضارة دون استمساك بالوحي
هوية بريس – د.ميمون نكاز
[عجالة في البيان من قرآن الفجر]
[لا ذكر لهذه الأمة في التاريخ والحضارة دون استمساك بالوحي]
قد وردت الإشارة البيانية لذلك في قوله تعالى: {فاستمسك بالذي أوحي إليك، إنك على صراط مستقيم، وإنه لذكر لك ولقومك. وسوف تسألون} [الزخرف 43-44]…اعلم أن الاستمساك بالوحي غير مجرد الإمساك به، إذ يفيد اقتضاءَه للمطالب التالية: الصدق في الإمساك به، ودوام الحرص على امتثال تكاليفه، والثبات على موجباته وتبعاته، والصبر، بل الاصطبار على البأساء والضراء والزلزلة من أجل الاستخلاف به والتمكين له… بذلك تجعل الأمة لنفسها “ذكرا” في العالمين…
{وسوف تسألون} بديهية في التكليف، ذلك لأن المساءلة من مقتضاه في عامة متعلقاته، ومن كلياتها “واجب الاستمساك”…
هذا “الذكر الوجودي” أساسه “ذكر الله”، فقد جاء في السورة نفسها قبل “آية الاستمساك” قوله تعالى: {ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} [الزخرف37]، وإني على يقين جازم أن هذه الأمة ما صُدَّتْ عن سبيل الإسلام -مخطئة في حسابات الاهتداء- إلا حينما ابتليت بالعَشَا في روحها وقلبها وعقلها، فشردت عن ذكر الله مائلة في اعوجاج ظاهر إلى ذكر غيره من البشر الذين أوتوا حظوظا من “المتاع” و”القوة” في هذه الحياة الدنيا، (أقصد الغرب الحديث)، ولو أن هذه الأمة تدبرت وعقلت التحذير القرآني من المسارعة إلى التماهي في “أمة الكفر والضلال” الوارد في السورة نفسها قبل آية التحذير من “العَشا” عن ذكر الله، في قوله تعالى: {ولَوۡلَاۤ أَن یَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّة وَ ٰحِدَة لَّجَعَلۡنَا لِمَن یَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ لِبُیُوتِهِمۡ سُقُفا مِّن فِضَّة وَمَعَارِجَ عَلَیۡهَا یَظۡهَرُونَ، وَلِبُیُوتِهِمۡ أَبۡوَ ٰبا وَسُرُرًا عَلَیۡهَا یَتَّكِـُٔونَ، وَزُخۡرُفاۚ وَإِن كُلُّ ذَ ٰلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [الزخرف34-35]… لو تدبرت ذلك وعقلته لما كان حالها الذي هي عليه، ذلك لأن “افتتان” هذه الأمة بِ”زخرف حضارة الغرب” هو الذي أوقعها في “العَشَا” عن ذكر الله (افتقاد بصيرة الروح، واختلال فقه القلب، واضطراب رؤية العقل، وطغيان رغبات النفس)، ومن ثمة أداها إلى النكوص عن الاستمساك بوحي الله، و كان عاقبة أمرها أن أُزْلِفَت في النسيان الوجودي…
ذلك بعض عطاء قرآن الفجر الشاهد المشهود…