الغرب وصناعة الأتباع
هوية بريس – ابراهيم الناية
منذ اواخر القرن التاسع عشر والغرب الاستعماري يعد العدة للسيطرة على العالم الاسلامي والاستحواذ على خيراته، ولكن كيف يتسنى له ذلك؟ هل بالاحتلال العسكري كما حصل بالفعل؟ ام انه سيتخذ وجهة اخرى تكون اقل تكلفة واكثر فائدة ونجاعة؟ وهي الهيمنة الفكرية ومحاولة صناعة “المثقفين “والعملاء الذين يسبحون في فلكه.
وللاسف هذه المرة كان له ما اراد. وهكذا فقد تحرك الغرب الاستعماري. لاستمالة ضعفاء النفوس. الذين أصبحوا يشكلون طابورا ضخما من الاتباع. فقد هيأهم ليعيشوا تحت مظلته ويفكروا بعقليته ويتخلقوا باخلاقه، ولم يقتصر الامر على فئة معينة مع بل تجاوز ذلك الى رجال المال والاعمال وممارسي السياسة وذوي النفوذ المتحكمين في الشعوب الضعيفة ،وهكذا تأسست استراتيجية الغرب الاستعماري على مبادئ اساسية:
اولها تخريب التعليم وفرض وصاية التدريس باللغة الاجنبية ومحاولة حشو مناهج التعليم بمفاهيم الثقافة الغربية من اجل تدمير الشخصية المسلمة سيما اذا علمنا ان زاد الاجيال من الثقافة الاسلامية لا يرقى الى مستوى المواجهة. ثم امتدت اليد الى تخريب المجتمع من الداخل وذلك بالقضاء على الاسرة وتفكيك اوصالها، ونتيجة لهذه الاستراتيجية ظهرت اجيال نفضت يدها من الثقافة الاسلامية والتاريخ الاسلامي ونعتت الكل بالظلامية والتخلف والرجعية. ولقد لعب اتباع الغرب الاستعماري الدور الأساسي في الدعوة الى التفسخ والرذيلة لكي ينسلخ المجتمع. نهائيا بكل ما يربطه بتاريخه وحضارته.
بل قدم للاجيال التائهة ان الخروج من التخلف والانخراط في مشروع الرقي والتقدم يقتضي المفاصلة والانسلاخ من كل ما له علاقة بالدين الاسلامي والحضارة الاسلامية ،والغريب في الامر ان الفساد الاخلاقي والاقتصادي والثقافي والسياسي اصبح شيئا مألوفا لا يثير ادنى حساسية لان الغرب درج على تبليد احساس الشعوب حتى ماتت الكرامة والغيرة والشعور بالعزة، وهذا ما نراه جليا عندما زرع الغرب الغدة السرطانية في قلب الام المسلمة (احتلال فلسطين) فقد رأينا في مجتمعاتنا من يؤيد احتلال ارض الاسراء والمعراج ويعتبره امرا مألوفا لا يثير ادنى احراج. بل يدعو الى مساندة المحتل. ولذلك كان التطبيع مع الاحتلال ايديولوجيا قبل ان يكون سياسيا. وهذا هو الذي ساعد المتصهينين في الظهور داخل مجتمعاتنا يرفعون شعار الاحتلال ويعتبرون انفسهم جزءا منه. ويعترفون له بالحق في احتلال تلك الارض رغم جهاد ابنائها المستميت.
لذلك كيف سيواجه الانسان المسلم هذه المشاكل المعقدة.؟ وكيف سيعالجها وارض المجتمع ملغمة بالاراء والتصورات المخالفة لفكره ومعتقده. التي جاءت نتيجة حضور الغرب في الساحة وتفاني اتباعه في خدمته؟
فالمجتمع لم يعد يحمل لونا معرفيا واحدا بل هناك تناقضات ومذاهب وشيع والكل يدافع عن اطروحته فعندما تطرح مناقشة بعض الاحداث على الساحة الاسلامية يتصدى لها البعض بالتحليل او بالاخذ والرد، وعادة ما يكون موقف الاسلام مطلوبا حول هذه القضايا المعقدة التي تقتضي الالمام بالاسلام اولا. وعلما بالواقع الذي حصلت فيه تلك المشاكل ثانيا. ولكن الامر يرجع الى الفهم والتكوين والتجربة والمعاناة والاخلاص.
لكي لا تبقى الاحكام تطلق على عواهنها، ورغم ذلك تختلف المواقف والتحليلات وفق الفهم والاستيعاب، فكل امرئ ينظر من زاويته ومن قناعته بل احيانا بالتزامه السياسي وهنا يضيع الحق ،وقد يذهب البعض الى ان فهمه للاسلام هو الفهم الصحيح. ومن خالفه ذلك الرأي فهو من اهل الضلال. وهذا امرٌ لا يستقيم فالذي قرأ الإسلام بهدوء وتربى على تعاليمه يبتعد عن هذه المواقف المتشنجة. فهناك من يقرأ الواقع الذي نعيشه من خلال تلك الخلافات التي حصلت بين الفرق الكلامية في عهد الامويين والعباسيين، ولم يعلم ان التوحيد مفهوم شامل لكل جوانب الحياة.
علما ان الاسلام له رؤية تخصه حول الكون والحياة والانسان ولا ينبغي ان نتبنى موقف اشخاص ونترك المرجعية الاساسية التي هي الكتاب والسنة، ولا داعي لذلك ما دامت هناك غارة عنيفة على الاسلام والمسلمين من قبل المنظومة الغربية وعلى المسلمين ان يعرفوا كيف يتعاملون معها؟. فبالعلم والمعرفة اولا ثم بمعرفة اولويات المرحلة، وكل ذلك لا يسوغ التراجع او التفريط في اية جزئية من الاسلام ،ولكن المشكل البين هو الجهل بحقيقة الاسلام.
فهناك من يهتم بالجزئيات منفردة وعزلها عن سياقها العام دون ان يربط الجزئي بالكلي، وهناك من ينادي بالسنة ولكن لا يعنيه الا جزءا منها الذي يوافق هواه. الا ان ما يثير الاستغراب هو ان هناك من يحمل عنوانا اسلاميا. ولكن همه الاكبر هو الطعن في المسلمين. الذين يحملون هم الجهاد. والدفاع عن الاوطان وتحريرها من رجس الاحتلال وكأنه خنجر مسموم في خاصرة الامة المسلمة. فالامر لم يعد فقط موقوفا على اعداء الاسلام الغربيين واتباعهم الذين يجاهرون بالعداء للاسلام ومبادئه وقيمه. بل ظهر في اوطاننا اناس يدعون التدين اصبحوا الظهير الايمن والايسر للظالمين الذين يحاربون الاسلام في مجتمعاتنا ويسفهون المخالفين لهم بل ذهب بهم الامر الى ان يتخندقوا ويصطفوا مع الاعداء في محاربة الاسلام واهله. وفي الاونة الاخيرة انكشف كل شيء وظهر الوضوح ولم يعد هناك شيء مخفي كما اظهرت غزوات النبي صلى الله عليه وسلم. المنافقين ودعوتهم الى تخريب المجتمع المسلم الفتي من الداخل بل تبادلوا الادوار مع يهود المدينة.
اذن إن المطلوب هو الوحدة والتكامل في مواجهة اعداء الامة المسلمة، فهناك القواسم المشتركة التي تجمع اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولا ينبغي التنازل عنها، فعندما تتكالب قوى الشر على الامة المسلمة فينبغي ان تكون الاستراتيجية التي ينبغي ان يتحرك فيها المسلمون هي الدفاع عن حياض المسلمين ونبذ الفرقة والاختلاف ،والالتفاف حول صيانة كيان الامة وخاصة ان أمة الاسلام تواجه اليوم اكبر التحديات التي يعيشها المسلمون في هذا القرن. صحيح ان هناك عوائق ،فقد نرى من لا زال يرقص على ذلك التناقض الجذري بين اهل السنة وغيرهم.
من اجل التغطية على عمالته وموالاته لليهود والنصارى والتغطية على خذلانه وخيانته. فهذه الفئة تساند الفاسدين الذين ََيَسْبَحون في فلك الغرب الاستعماري. ويطبقون سياسته في مجتمعاتهم. والغريب ان هؤلاء المتخاذلين ينعتون انفسهم باتباع العقيدة الصحيحة. ولم يعلموا ان العقيدة الصحيحة تتجلى في السلوك والافكار والمعتقدات والاخلاق والمعاملات والمواقف من قضايا الامة.
فهناك من ينادي بالعقيدة الصحيحة وهو غارق في العمالة والنذالة والتخندق والاصطفاف مع اعداء الاسلام من اليهود والنصارى وبقية الملاحدة ويأكل لقمة حرام وسخة ملطخة بالخزي لانه قد جبل على التملق ولا يجيد الا خطاب الفتنة ولا غرابة في ذلك. فالغرب قد اجتهد في صناعة العملاء من كل الالوان. وتقديمهم على انهم الممثلون للتوجه الصحيح!!!