النقيب الجامعي يكتب: الحكومة، سِياسة الاستفزاز وسيَاسة الدِفَاع عَن الدفَاع!
هوية بريس – النقيب عبد الرحيم الجامعي
بِلَحن الصمت والهروب إلى الأمام، تُقدم الحكومة نموذجها في التعامل مع انشغالات المحامين والهيئات الممثلة لقطاع مهني خلاق ومنتج في المجتمع، ومؤثر في استقراره و توازن مصالحه بميزان العدالة، مما يعني أن موقفها السلبي والمعادي، ونظرتها للفاعل القانوني والمهني في علاقاته بجوهر رسالة المحاماة اي في الدفاع عن الأمن القضائي والقانون دون منازع، هو موقف سياسيوي مضى عليه الزمن ولن يكتبَ له مستقبل لأنه من مدرسة القمع وسنوات الرصاص التي أدانها المجتمع منذ بداية حكم الملك محمد السادس، وما على الغافلين إلا مراجعة تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة لعلهم يتذكرون …
وباختيار الأرض المحروقة، صَبت الحكومة البنزين في النار، أي رجعت للخلف بعد أن أشعلت لهيبا حارقا بمشاريعها القانونية لقتل ثقة الجمهور في آليات العدالة وفي مقدمتها المسطرة المدنية والجنائية التي تمثل طريق الوصول للقضاء دون عراقيل ولا الغام ودون تمييز أو عقاب أو استفزاز مسطري، وعرضت باختياراتها هاته مؤسستي الدفاع والقضاء للفراغ القاتل، وفرضت بلغتها الضعيفة عليهما الدفاع عن النفس لكى لا يسقط الدراع القانوني للمجتمع ممثلا فى مؤسسة الدفاع تحت أقدام السلطة التنفيذية، ولكي يسمع المتقاضي وكل مواطن بأن جبهة المحاميات والمحامين متراصة تقاوم من اجل البقاء شامخة رؤوسهم، ونظيفة جبتهم ترفض الاهانات ومحاولات الإبادات المعنوية والمسطرية، وبان قُضاتنا مرابطون بالمحاكم وبقاعات الجلسات فارغة من روحها ومن أصواتها وهي أصوات نساء ورجال الدفاع وهم معلقون أكثر من أية سلطة بالحق في الدفاع وفي ضمانه بأي ثمن ولن تستطيع ضربات جسم لدفاع بسف الحكومة إن تستميلهم لجانبها أو تجرهم
عن حيادهم لأنهم مؤمنون باستقلالهم ولن يستبدلوا عنه بديلا …
لن يتمكن أحد من شَق جدار العلاقات القوية بين جناحي العدالة أي أضعاف الثقة بين المحامين والقضاة، ولن يقدر أحد على خلق الفتنة بينهما، ولا بناء الأحقاد في نضالهما المرير للدفاع عن استقلالهما أو محاولات الاستيلاء على وظيفتهما المتكاملة والتي شيدت منذ عشرات السنين، بتضحياتهم وتصميمهم على خلق مغرب العدالة ودولة القانون.
إنكم بالحكومة فرضتم على نساء ورجال الدفاع وعلى مؤسساتهم التمثيلية اختيارا صعبا وهو الإمساك عن ممارسة الدفاع رغما عن ارادتهم وعن رسالتهم …
إنكم بالحكومة المسؤولون من البداية للنهاية عن الإيذاء العمدي لقصور للعدالة ومصير المتقاضين ومصير ملفاتهم ومصير أحكامهم ومصير حقوقهم، وستؤدي حكومتكم الثمن السياسي والأخلاقي أمام محكمة التاريخ وامام الضمير الوطني، فأنتم
من تسبب في أفرغ المحاكم وقتل حيويتها وتعليق نشاطها وإِبعاد قُضَاتها عن مُحامياتها ومحاميها، بعد أن أقدمتم على ضرب صدور المتقاضين وحقوقهم بسهام مشاريعكم المسطرية وموادها اللامشروعة، والتي اعترضتها صدور المحاميات
والمحامين وتصدت لها لكشف عيوبها وتحليل مآسيها إن هي سَكنت بيت المغاربة وهو بيت القضاء وفرضت وجودها بعنف.
وقفت حكومتكم بتعنت غير مسبوق أمام الحقيقة ومغلقة العين والعقل أمامها، ولم تقدر على استيعاب عمق فشل مشاريعها، وقد كان الأجدر أن تكون وفِّية للدستور الذي يحث على احترام حقوق الإنسان وعلى الأمن القانوني، حتى لا تتردد في تغيير بعض مواد مسطرتها المعروضة بسرعة وفي أول وهلة، وألا تثير اضطرابات وزوابع بسببها، والمغرب والمغاربة في غنى عنها، خصوصا أن تلغى ما يضرب حق المتقاضين فى الطعن أمام القضاء، وأمام كل درجاته للتظلم بحثا منه عن الأحكام العادلة والاجتهادات الخلاقة ولكي يظل التقاضي دعامة ثقافية وتربوية و ملاذا لتجنب التدخل والرشوة وشراء الاحكام، وأن تتراجع عن ضرب جيوب المتقاضين بغرامات وعقوبات مالية ، بسبب اللجوء للقضاء لا غير، و لتزيد بهذه الاختيارات في معاناة المتقاضين وفي تعقيد وضع العدالة المعقد أصلا، وهي تدري أن الأصل في التقاضي بالمغرب هو الأداء و الغلو في الرسوم القضائية المرتفعة، وبأن المجانية في التقاضي ما هي إلا صورة مزيفة للحقيقة …
والظاهر أن الحكومة لا تسأل ولا تلجأ لخُبرائها في القانون لَعَلهُم يقنعونها بأنها على غير صواب، وليفتُوا عليها الصحيح السليم والمُتَعَقل من الأجوبة القانونية قبل طرح مشاريعها ومساطرها القانونية للمناقشة، ويظهر ان خبراء الحكومة في السياسة بدوا فاشلين فرَمَوا بها في سلة الغضب والاضطراب وتسببوا لها في حرج لا تحسد عليه وطنيا ودوليا …
نحن في أول شهر نونبر، وهو شهر احتفاء العالم بالفلسفة، ويبدو أن الحكومة لأنها لا تستوعب العلاقة العلمية والفلسفية ما بين التاريخ والقانون، ولا تريد ان تكون لديها إسهامات حقيقية في كتابة تاريخ مشرف للمغرب من خلال كتابات صادقة وموضوعية للقانون ولقواعده الإنسانية والفلسفية كما أن الظاهر هو عدم استيعاب الحكومة لخلفيات صناعة القانون ولعلاقاته بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وعلاقته بالإنسان وبالأخلاق وبالقيم، وعلاقته بالمستقبل وبقياس درجات الرضا والثقة والاطمئنان …… فلا يَجمُل بالمغرب وبالمغاربة أن تكون لهم حكومة تستهلك الغرور، فتؤلم المغاربة في معاشهم وحقوقهم وأمنهم وحتى في حقهم فى العدالة الحقيقية دون زيف ولا تزييف.