الموسم الفلاحي الجديد بالمغرب.. الرهانات والتحديات
هوية بريس – محمد زاوي
1-افتتاح الموسم الفلاحي الجديد.. مخاوف وتحديات
لقد أصبح المواطن المغربي يهتم بشؤون الفلاحة والزراعة أكثر من أي وقت مضى، وذلك راجع إلى توالي سنوات الجفاف وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي هذا الإطار يأتي اهتمام المغاربية بانطلاق الموسم الفلاحي، الذي ترأس انطلاقته الرسمية وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري بسهل سايس بجهة فاس-مكناس.
وأكدت وزارة الفلاحة أن الوزارة “اتخذت مجموعة من التدابير والتحفيزات لإنجاح الموسم الفلاحي الحالي ولتقوية وإعادة إنعاش سلاسل الإنتاج”.
وأضاف ذات المصدر أن “البرنامج الوطني للزرع المباشر برسم الموسم الفلاحي 2024/2025 سيخص مساحة 260 ألف هكتار، بهدف الوصول إلى مليون هكتار في أفق 2030”.
2-التحدي المائي بالمغرب
من أخطر التحديات التي يعرفها القطاع الفلاحي بالمغرب، تحدي تراجع المخزون المائي، بسبب توالي سنوات الجفاف وضعف الأوراش البديلة من قبيل محطات تحلية مياه البحر وتقنية تلقيح السحب.
وإذا كان المغرب قد تميز بتبنيه لسياسة بناء السدود وصيانتها من قبل الملك الحسن الثاني رحمه الله، فإن هذه السياسة تطلب اليوم مزيدا من التكثيف والتحسين والتطوير والعمل الدؤوب حتى تواكب التحديات المائية الجديدة.
وذلك لأن حقينات السدود تعرف تراجعت عاما بعد عام، فمثلا “بلغ حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية 11 أبريل 2022 حوالي 5,52 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 34,2 بالمائة كنسبة ملء إجمالي، مقابل 50,82 بالمائة سجلت في نفس الفترة من سنة 2021” حسب تصريح لنزار بركة وزير التجهيز والماء بالبرلمان (2022).
وكان بركة قد قال في ذات التصريح إن “توالي سنوات الجفاف التي عرفها المغرب خلال العقد الأخير أبان عن هشاشة بعض منظومات التزود بالماء إزاء فترات الجفاف الطويلة، وهو ما أملى صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية”.
3-الأمطار الأخيرة وحقينة السدود
أكدت معطيات محينة لحقينات الأحواض والسدود أن “حقينات السدود المغربية حققت واردات مائية مهمة بفضل التساقطات المطرية التي شهدتها عدد من أقاليم المملكة، في الأيام الأخيرة، إذ تبلغ النسبة الإجمالية لملء المنشآت المائية حوالي 4889.05 مليون متر مكعب”.
وزادت ذات المعطيات أنه “بتاريخ الاثنين 28 أكتوبر 2024، بلغ حجم ملء السدود بالمغرب 4889.05 مليون متر مكعب؛ وهو ما يشكل نسبة 29.03 بالمائة، مع تسجيل تراجع يقدر بـ 0.01 بالمائة مقارنة مع الـ 24 ساعة الماضية.
هذا و”بلغ حجم ملء حوض اللوكوس 40.08 في المائة، وحوض سبو بنسبة ملء 40.49 في المائة، ثم حوض تانسيفت 45.84 في المائة، حوض أبي رقراق بنسبة 34.31 في المائة، فحوض ملوية بنسبة ملء تصل لـ 35.27 في المائة”، بحسب ذات المصادر.
كما “تبلغ نسبة الملء بحوض زيز كير غريس 49 بالمائة، في حين وصلت نسبة ملء حوض درعة واد نون إلى 30.82 في المائة، ثم نسبة 17.70 في المائة بحوض سوس ماسة، في حين تم تسجيل أقل نسبة في حوض أم الربيع بـ 4.98 في المائة”.
وسجلت ذات المعطيات أن “حوض أم الربيع يعيش عجزا في الواردات المائية للسنة الخامسة على التوالي، حيث تسجل حقينة السدود المتواجدة على طوله نسب ملء ضعيفة لا تتجاوز في أغلب الأحيان خمسة في المائة، علما أن سدود هذا الحوض كانت تزود عددا من الحواضر الكبرى بخدمات الماء الشروب”.
وبخصوص الحوض المائي لدرعة واد نون، فقد كشفت معطيات أخرى أن “سدين من سدود الحوض الخمسة استقبلت واردات مائية جد مهمة خلال الفترة الأخيرة بعدما كانت فارغة تماما من هذه الواردات، إذ يتعلق الأمر بسد فاصك الذي تم افتتاحه السنة الماضية، وسد أسا الزاك”.
وذكرت ذات المصادر أن “نسبة الملء بهذين السدين قبل 31 غشت كانت لا تتجاوز نسبة صفر بالمائة بمخزون مائي فارغ، قبل أن تُنعش التساقطات المطرية التي شهدتها مجموعة من الأقاليم التابعة للوكالة حقينة السدين المذكورين”.
وتابعت ذات المصادر أن “نسبة ملء سد فاصك بإقليم كلميم بلغت 7 بالمائة حيث استقبل بعد التساقطات المطرية 10.72 مليون متر مكعب. فيما بلغت نسبة ملء سد أسا الزاك 25 بالمائة بعدما كان فارغا تماما، إذ استقبل في الفترة ما بين فاتح شتنبر 2024 و24 أكتوبر الجاري 21 مليون متر مكعب”.
4-سياسات فلاحية ومائية جديدة
في كلمة له بالبرلمان (لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب/ 2022)، كان نزار بركة وزير التجهيز والماء قد قال إن “توالي سنوات الجفاف التي عرفها المغرب خلال العقد الأخير أبان عن هشاشة بعض منظومات التزود بالماء إزاء فترات الجفاف الطويلة، وهو ما أملى صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية”.
وكشف بركة أن “هذا البرنامج الوطني يهدف إلى تسريع وتيرة الاستثمار في مجال الماء من أجل مواكبة الطلب المتزايد على الموارد المائية وضمان الأمن المائي للبلاد والحد من تأثير التغير المناخي، مبرزا أن كلفته الإجمالية تبلغ 115,4 مليار درهم”.
وسجل ذات المتحدث أن “محاور البرنامج تتلخص في تنمية العرض المائي ببلادنا، وتدبير الطلب واقتصاد وتثمين الماء، بالإضافة إلى تقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، وكذا تقوية الحملات التحسيسية بأهمية الاستعمال المعقلن للمياه”.
وأوضح بركة أنه “من أجل مواكبة تطور الحالة الهيدرولوجية على الصعيد الوطني، من المرتقب إدخال بعض التعديلات على البرنامج، وتهم على الخصوص، مراجعة برمجة بعض السدود وإدراج سدود جديدة، ورفع القدرة الإنتاجية لمحطات تحلية مياه البحر لكل من الدار البيضاء الكبرى وآسفي والداخلة، بالإضافة إلى إدراج مشاريع جديدة لتحلية مياه البحر كمحطة الجهة الشرقية”.
وزاد الوزير ذاته أنه “تم إعداد وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بين مختلف المتدخلين من أجل تنفيذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية الرامية إلى ضمان التزويد بالماء الصالح للشرب بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت التي تعرف ضعفا على مستوى المخزون المائي بها، بالإضافة إلى برنامج استعجالي تكميلي لتأمين التزويد بالماء الشروب بالوسط القروي في المناطق التي قد تعرف خصاصا ونقصا في التساقطات، بغلاف مالي إجمالي لبرنامج الإجراءات الاستعجالية والبرنامج الاستعجالي التكميلي، يقدر بـ 3,195 مليار درهم”.
وأردف أن “الآفاق المستقبلية لمشروع المخطط الوطني للماء 2050 تتمثل أولا في تعزيز العرض المائي من خلال مواصلة سياسة السدود الكبرى والصغرى والبحيرات التلية، وتوسيع شبكة الأنظمة المائية عبر مشاريع الربط بين الأحواض المائية لضمان تدبير مرن للموارد المائية والتقليص من الفوارق المجالية، وتطوير تحلية مياه البحر مع اللجوء إلى الطاقات المتجددة، بالإضافة إلى خفض معدل توحل السدود بنسبة تصل إلى 20 بالمائة عبر تهيئة الأحواض المائية”.
5-متى يحقق المغاربة اكتفاءهم الفلاحي؟
لقد أصبح هذا السؤال أكثر إلحاحا خاصة في ظل الأزمات الدولية، السياسية منها والاقتصادية. فإذا كانت الأولى تعيق حركة البضائع والرأسمال خلال فترات الحروب والتوترات الدولية والإقليمية، فإن الثانية ترفع معدلات التضخم وتستهدف العملات الوطنية الخ.
وفي ظل هذا الواقع، تكون الدول في حاجة إلى اكتفاء ذاتي على المستويات الغذائية والطاقية بصفة خاصة، وهو ما يفرض على المغرب التفكير في سياسات أكثر نجاعة في المجال الفلاحي الذي يعتمد عليه الاقتصاد المغربي بشكل كبير.
ففي سياق متصل، يؤكد الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريح لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن “القطاع الفلاحي في المغرب يبقى المشغل الأول بالنسبة للمملكة، ويسهم بشكل كبير في الناتج المحلي، ومن أجل تحقيق نمو 5 أو 6 بالمئة لابد أن يسهم القطاع بـ 2 أو 3 بالمئة”.
ويضيف أن “القطاع يسهم بشكل كبير في التنمية، لكن هناك تحديات أساسية يتعين أخذها في الاعتبار، وهي (التحديات المرتبطة بالمياه والطاقة، علاوة على التحديات المتعلقة بالمدخلات الفلاحية، وكذلك التوازن بين الفلاحات المعيشية الوطنية والفلاحات المُنتجة نحو التصدير أساساً للاتحاد الأوروبي بصفة خاصة) وهي تحديات تسعى المملكة للتماشي معها من أجل تحقيق انتعاشة حقيقية في القطاع”.
لقد تعاقبت على القطاع الفلاحي المغربي سياسات فلاحية عديدة، كان مخطط “المغرب الأخضر” آخرها، إلا أن هذه السياسات سرعان ما تكشف عن محدوديتها عند كل أزمة دولية، ناهيك عن عجزها لحدود الساعة عن تحقيق اكتفاء ذاتي للمغاربة.
6-سوق اللحوم ورهانات الموسم الفلاحي الجديد
تعرف أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعا قياسيا وغير مسبوق، ما أدى إلى تراجع استهلاكها والإقبال عليها من قبل المواطنين.
ونقلت جريدة “هسبريس” الإلكترونية عن مهنيين (شتنبر 2024) أن “ثمن الكيلوغرام الواحد من لحم العجل يصل حاليا بأسواق الجملة إلى 95 درهما، يليه لحم الخروف بما بين 112 و115 درهما للكيلوغرام الواحد دائما”.
و”يصل لحم العجل ولحم الخروف إلى المستهلكين على مستوى نقاط البيع بالتقسيط بحوالي 110 و130 درهما على التوالي”، بحسب ذات المصادر.
بدورها لم تسلم لحوم الدواجن من ارتفاع أسعارها، إذ تجاوزت هذه اللحوم بمختلف أنواعها 25 درهما للكيلوغرام الواحد.
وتتخذ الوزارة المعنية بين الفينة والأخرى قرارات من قبيل دعم الفلاحين، واستيراد اللحوم أو المواشي من الخارج؛ إلا أن مشكل ارتفاع أسعار اللحوم لم يجد حلا نهائيا وناجعا.
7-البوادي المغربية وسؤال الرهان الفلاحي
تعرف البادية المغربية شبح الجفاف أكثر مما يعرفه غيرها من المواطنين، لما يؤدي إليه من جفاف منابعها المائية، وانحسار أراضيها الزراعية.
ونتيجة لذلك ترتفع معدلات البطالة داخل الأسر القروية، بل إن أسرا اعتاد معيلوها العمل في مزارع الغير تصبح مهددة بالفقر والجوع وقلة الموارد أو غيابها.
وهنا يخترق البوادي المغربية مشكل أخطر وهو مشكل الهجرة إلى المدن، ما يفرض على الجهات المعنية الاهتمام بارتفاع معدلات البطالة في البوادي.
فقد أكدت المندوبية السامية للتخطيط “ارتفاع معدل البطالة ما بين الفصل الأول من سنة 2023 والفصل نفسه من عام 2024 من 12.9 بالمئة إلى 13,7 بالمئة، وذلك جراء فقدان حوالى 159 ألف فرصة عمل في الأرياف مقابل خلق نحو 78 ألف وظيفة في المدن.
و”لا تزال وضعية سوق العمل تعاني من آثار الجفاف”، حسب ما أكدته المندوبية السامية للتخطيط.
8-قول الفقيه
الماء أصل الحياة لأن الله تعالى يقول: “وجعلنا من الماء كل شيء حي”، ولما كان الماء كذلك فقد وجب حفظه والحفاظ عليه، ولا يتأتى هذا الحفظ إلا بمعرفة قيمته، ومنها قيمته في الدين.
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: “ومن المظاهر الدالة على وجود الصانع وقدرته التامة و إحيائه الموتى، الأرض الميتة” أي كانت هامدة ميتة لاشيء فيها من النبات، فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ولهذا قال تعالى: ( أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه ياكلون)، أي جعلنا رزقا لهم ولأنعامهم، وقال: ( وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون لياكلوا من ثمرة وما عملته أيديهم)، أي جعلنا فيها أنهارا سارحة في أمكنة يحتاجون إليها، ولما امتن الله على خلقه بإيجاد الزروع لهم عطف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها، وما ذلك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم لا بسعيهم ولا بكدهم ولا بحولهم وقوتهم فتكون (ما) في قوله: ( وما عملته أيديهم) للنفي، ولهذا قال تعالى: ( أفلا تشكرون)، أي فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لاتعد ولاتحصى”.
ومن هذه النعم الماء وما يسقى به من مزروع، وما يعيش به من دواب ومواشٍ. فكلها نعم يعرف الإنسان حاجته إليها فيعرف حاجته إليه، وإن الجفاف من “جنود الله” به نعرف قدرة الله وحاجتنا لأمر الله في خلقه، ثم لأمره في شرعه.