هل نقض وزير الأوقاف التوفيق إسلامية الدولة المغربية؟
هوية بريس – د.محمد عوام
بالأمس القريب صرح أحد المسؤولين السياسيين بأن المغرب دولة علمانية ليبرالية، فاستنكرنا ذلك، وقلنا هذا تصريح لسياسي شارد.
واليوم نفاجأ وزير الأوقاف الذي لم يأخذ حظا من اسمه من التوفيق والسداد، بتصريح خطير جدا، وهو أن المغاربة علمانيون، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: “لا إكراه في الدين“، وأن من أراد أن يفعل أي شيء فليفعل، والإسلام في المغرب معتدل.
وهذا التصريح الشارد، الذي يدل على خفة الوزير، وأنه يرسل الكلام إرسالا، من غير أن يدرك عواقبه، ولا نقضه لأسس الدولة المغربية وثوابتها، التي ما فتئ الوزير نفسه يدندن حولها، ويتهم غيره بالخروج عنها. علما أن وزارته أنفقت أموالا وجهودا وأوقاتا، لترسيخ هذه الثوابت، فيأتي الوزير بخفته فينسفها نسفا، انتصارا للعلمانية، وإرضاء لفرنسا الاستعمارية.
وتصريح الوزير غير الموفق، أوقعه فيما يلي:
أولا: مناقضة إسلامية الدولة، التي ينص عليها الدستور، الذي توافق عليه المغاربة، وإسلامية الدولة أمر محسوم فيه تاريخيا وواقعيا ودستوريا، فيجهز الوزير على التاريخ، مع الأسف يحسب من الدارسين له، والواقع إذ المغاربة مسلمون وراضون بإسلامهم ومتشبثون به، بالرغم من تقصيرنا جميعا، ودستوريا لأن الدستور يقر بإسلامية الدولة. وعلى هذا جرى سلاطين المغرب منذ تأسيس الدولة الإدريسية إلى يوم الناس هذا مع الدولة العلوية.
ثانيا: التنكر للبيعة، لأنه حينما تقول بعلمانية الدولة، والمغاربة علمانيون، فعندها يواجهك سؤال مهم جدا، ما موقع البيعة في العلمانية؟ لأن العلمانية فصل الدين عن الدولة، والملك إنما بايعه المغاربة والعلماء على إقامة شؤونهم الدينية والدنيوية، فلذلك لا يمكن الجمع بين النقيضين، وأعني بذلك القول بالعلمانية والبيعة، التي هي عقد شرعي. وهذا يعني أن الوزير شعر بذلك أم لم يشعر نسف البيعة، وضربها -كما يقال- من الخلف، وتنكر لها، فهل هو مسار جديد للدولة المغربية يوطئ له الوزير بهذه الخرجة غير المحسوبة، والتصريح المنحرف عن سبيل الثوابت، والالتفاف عليها؟ هذا ما ستبديه الأيام الكواشف.
ثالثا: هدم للثوابت المغربية، وعلى رأسها مذهب الأشعري، ومذهب مالك، وطريقة الجنيد. وكل هذه المذاهب السنية سواء في العقيدة، أو الفقه، أو التصوف مناقضة للعلمانية، ولا يمكن أن تجتمع بها، وإذا أردنا أن ندقق ونحقق فأصول هذه المذاهب تعتبر العلمانية خارجة عن الإسلام، فلا تقرها، ولا تعترف بها، وإذا الوزير رام المشاكسة والمناكفة فليسأل موقف المجلس العلمي الأعلى عن العلمانية إن كان صادقا ويريد أن أن يعرف الحقيقة، وإلا فسيكون متهما في تصريحه بإرضاء الفرنسيين. وتلك قصة أخرى. مثلما صرح ذات يوم من أن الفقهاء اختلفوا في مهرجان موازين، فكان كلامه أقرب للهزل منه للجد.
رابعا: الإسلام المعتدل. يصرح الوزير غير ما مرة، ويبشرنا بالإسلام المعتدل، ولا ندري ما هذا الإسلام المعتدل عنده؟
هل هو إسلام بلا شريعة؟ أم إسلام بلا عقيدة يعتقد المسلم ما يشاء ويفعل ما يريد؟ أم إسلام تباح في أرضه وبين أبنائه الخمور والفجور؟ أم إسلام يوالي أعداء الأمة ويرحب بهم ويعينهم؟ أم هو نصف نصف؟
والله يحار المسلم من هذه العبارات المسمومة الملغومة، يصرح الوزير بأن المغاربة علمانيون، ويفعلون ما يشاؤون ثم يردفها بالإسلام المعتدل!!! هذا كلام عجب عجاب يمجه ذوو الألباب.
فرنسا والإسلام
نحن نسأل الوزير التوفيق المتخصص في التاريخ وكتابة الروايات متى كانت فرنسا تحترم الإسلام حتى تتبنى وتقبل بالإسلام المعتدل؟ ألم تحارب فرنسا الإسلام منذ قرون إلى يومنا هذا؟
هل نسي الوزير أو تناسى الحملات الصليبية التي قادتها فرنسا ضد الإسلام والمسلمين؟!!!
هل نسي التوفيق ما فعلته فرنسا في المغرب من إجرام وتقتيل ونسف وسلب وفسق وفجور، ألم تقضي على القرويين وغيرها من المؤسسات الشرعية؟ ألم تلغي الشريعة من كافة القوانين وأبقت فقط الأحوال الشخصية عند أول حكومة بعد الاستقلال؟ (ينظر “دفاع عن الشريعة” لعلال الفاسي). ألم تطرد فرنسا الدعاة المغاربة المعتدلين من أرضها وتمنع الحجاب من مؤسساتها؟
المقرر تاريخيا وواقعيا أن فرنسا وغيرها من الدول الغربية لا تؤمن بالإسلام قطعا، لا معتدلا ولا غير ذلك، فعداؤها له قديم، فهل سيفطن الوزير لهذه القضية أم سيستمر في غيه ولغوه في مغازلة ومجاملة فرنسا.
وأخيرا فإنك أيها الوزير لم تأخذ حظا من اسمك من التوفيق والسداد والرشاد في تصريحك، وإن العاقل هو من يدري خطورة الكلام وعواقبه، لا سيما مثلك في هذا السن المتقدم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت“.