بنكيران يتساءل: متى يكون الإنسان عَـلمانيا؟

03 ديسمبر 2024 15:22

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

لاحظت أن بعض المثقفين وبعض الأصوات الإعلامية يظهر لديهم خلط كبير في تصور مفهوم العَلمانية، وهو خلط تجلى واضحا عند حديثهم عن تصريح الوزير الذي قال فيه: “المغاربة عَلمانيون“.

هؤلاء اعتبروا أن وجود مظاهر اجتماعية معينة في المغرب، مثل ترك البعض للصلاة، أو الصيام، أو شرب الخمر، أو ممارسة الزنا، أو التعامل بالربا، أو عدم ارتداء الحجاب من قبل بعض النساء، وما إلى ذلك، واستمرار التعايش المجتمعي مع أصحاب هذه الممارسات، دليل على أن المغاربة علمانيون.

وهذا الاستنتاج خاطئ على عدة مستويات؛ لأن وجود هذه المظاهر في المجتمع لا يعني أن المغاربة علمانيون بالضرورة:

• المغاربة، باعتبارهم مجتمعا مسلما في غالبيته العظمى، لا يقرون تلك السلوكيات من الناحية الدينية، بل يرونها معاص تخالف تعاليم الإسلام.

• يُـعدّ من يمارس هذه السلوكيات عاصيا لله في نظر المجتمع، ويعزى وجودها إلى ضعف إيمانه أو اتباع الهوى، وليس إلى تبنٍّ لقيم علمانية.

• المجتمع المغربي، رغم تسامحه الظاهري أو تعايشه مع وجود هذه المظاهر، يرى أن لهذه السلوكيات تأثيرا سلبيا على الأفراد والمجتمع، وقد تسبب فسادا أو خرابا في منظومة القيم العامة.

• هناك واجب ديني وأخلاقي يدفع الناس إلى تقديم النصح إلى هؤلاء المخطئين والتذكير بضرورة الالتزام بالتعاليم الإسلامية.

• بل حتى أولئك المخطئون الذين يقترفون تلك السلوكيات، في كثير من الأحيان، يقرون بخطئهم وأنهم يخالفون ما أراده الله للحياة الخاصة والعامة. هذا الإقرار يعبر عن ارتباط المجتمع بالقيم الأخلاقية الدينية، حتى لدى من يتجاوز حدودها.

ولذلك، يجب توضيح أن العلمانية ليست مجرد وجود مظاهر سلوكية تخالف التعاليم الدينية، بل هي موقف فكري وسياسي يتبناه الإنسان ويدعمه.

♦ متى يكون الإنسان علمانيا؟

يُعدّ الإنسان علمانيا عندما يتبنى أو يدعم مبدأ العلمانية، الذي يعني إبعاد تعاليم الدين عن الحياة العامة للمجتمع. في هذا الإطار، تدار الحياة العامة على أساس اعتبارات دنيوية محضة، لا علاقة لها بالتعاليم الدينية.

فالعلماني يؤمن بأن الدين شأن فردي وشخصي، ولا يحق له أن يكون له تأثير مباشر في إدارة الدولة أو القوانين العامة. وهذا مخالف لصريح شرع الله، وتبني هذا المبدأ كفر في الإسلام وبالإسلام.

◆◆ وعليه، فالعلماني هو من يؤمن مبدأ العلمانية ويدعمه وإن لم يشرب الخمر قط في حياته أو لم يقع في الزنا أو لم يتعامل بالربا، بل وإن صلى وصام وحج..

ومن كان مسلما ولم يتبن مبدأ العلمانية ويدعمه فليس علمانيا وإن وقع في معاص كثيرة.

♦ إن تفسير المظاهر السلوكية الفردية المخالفة للدين بتبني العلمانية يعكس غياب فهم دقيق لمفهوم العلمانية. فليس كل من يتعايش مع مظاهر تخالف الدين الإسلامي أو يمارس بعضها يُعدّ علمانيا، بل العلمانية موقف فكري وسياسي يتطلب الإيمان بفصل واعي بين الدين والحياة العامة، وهو أمر مختلف تماما عن ضعف الالتزام الفردي بالدين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M