عاد ترامب.. فلِمَ التصعيد في غزة وأوكرانيا وسوريا؟!
هوية بريس- محمد زاوي
ربما انتظر البعض أن يحل السلام بمجرد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهناك من ينتظر حلوله بمجرد تنصيبه وكأن العالم يتحرك بالرغبات.. صحيح أن استراتيجية ترامب ومن/ وما خلفه على النقيض من استراتيجية جو بايدن ومن/ وما خلفه، وصحيح أن ترامب يرفض الربح الرأسمالي من الحروب وبيع السلاح والاستثمار في السوق السوداء، وصحيح أنه يرفض الدخول في أي صراع عسكري يثقل كاهل الميزانيات الأمريكية أكثر مما يدعمها؛ كل هذا صحيح إلا أن الانتقال إليه يطلب زمنا سياسيا واقتصاديا وجيوسياسيا وعسكريا الخ. ففي كل منطقة من مناطق التوتر، رغم الضغط الأمريكي وقوته، ليست الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل الوحيد. وإذا كان بايدن على توافق مع بعض الأطراف دون أخرى في هذا التوتر أو ذاك، فإن ترامب ليس كذلك.
فلنلقِ نظرة على واقع التوترات الدولية والإقليمية بعد صعود ترامب وقبل تنصيبه، لعلنا نفهم هذه المسألة أو على الأقل للاقتراب من فهمها:
-العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا: وهي العملية التي بدأتها روسيا منذ أكثر من سنتين، إلا أنها بمجرد صعود ترامب -ويا للمفارقة!- عرفت تصعيدا غير مسبوق بقصف أوكرانيا للأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى، وذلك بدعم أوروبي أمريكي (إدارة بايدن).. فكيف نفسر هذا التصعيد بصعود من وعد بإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية؟! الحرب بين روسيا والغرب حرب ثنائية، لكنها بمجيء ترامب ستصبح حربا ثلاثية نظرا للخلاف بينه وبين الأوروبيين، عكس بايدن الذي يُعدّ الأكثر انسجاما في علاقته بالاتحاد الأوروبي.. أما ترامب فلا يريد إيقاف الحرب فحسب، وإنما مغادرة “الناتو” والسماح لروسيا بما اقتضمته من أوكرانيا (كما وقع في شبه جزيرة القرم) وترك الأوروبيين وأوكرانيا عراة أمام الدولة الأوراسية.. هذا الواقع الذي قد يتعزز في المرحلة المقبلة أكثر من أي وقت مضى، لا يقبله الأوروبيون ومعهم “أمريكا بايدن”.. والتصعيد الحالي هو للحيلولة دون تحقق هذا الواقع، أو على الأقل ـوهو الأرجح-تأخيره إلى حين حصول الأوروبيين وأوكرانيا على بعض المكاسب من معركة أثقلت كاهلهم بعامين.
-العدوان “الإسرائيلي” على غزة: عرف هذا العدوان تصعيدا مع صعود ترامب، الأمر الذي أدى إلى خلاف بين بنيامين نتنياهو “رئيس الوزراء الإسرائيلي” و”وزير دفاعه” السابق يوآف غالانت.. فهذا الخلاف الذي نتج عنه إعفاء الأخير يعكس إرادة “إسرائيلية” جامحة لاستمرار العدوان في غزة رغم الدمار غير المسبوق الذي عرفه القطاع، ورغم التراجع الكبير الذي عرفته قدرات المقاومة.. إن الهدف الرئيسي من استمرار العدوان وتصعيده في غزة لا يعدو أن يكون ضغطا ميدانيا وعسكريا على المقاومة للحيلولة دون الرجوع إلى واقع ما قبل “7 أكتوبر”، لا من حيث تواجدها العسكري، ولا من حيث موقعها الجيوسياسي في المنطقة. هذا ضغط داخلي، يواكبه ضغط خارجي في قطر وتركيا وغيرها من الدول القريبة من الحركة. تضغط “إسرائيل” أيضا لأنها لا تريد الانسحاب من مناطق سيطرتها إلا بضمانات ومكاسب، ودون أن تكون مضطرة للاعتراف بسيادة الدولة الفلسطينية.. المقاومة ما زالت تناور من خلال “الأسرى” وعمليات “حرب العصابات” التي تنفذها بين الفينة والأخرى.. هذا التناقض لم يجد طريقه إلى الحل بعد، وكل طرف يضغط بطريقته ووفق إمكانياته قبل تنصيب ترامب، لأن الأخير لن يتصرف إلا على أساس الواقع الذي سيجده بين يديه.
-التدخل “الإسرائيلي” في لبنان: وقف إطلاق النار في لبنان جاء كتتويج لشروط موضوعية، حتى لا نبقى حبيسي الحديث عن “الانتصارات البطولية” هنا أو هناك.. وقد سرع من وتيرة إنضاج هذه الشروط عاملان: الجانب الإيراني الذي يبدو أنه يستعد لضغط اقتصادي كبير من قبل أمريكا ترامب، و”حزب الله” الذي أصبح مستعدا للرجوع إلى شمال الليطاني بعد أن تلقى ضربة أمنية وسياسية وعسكرية قوية.. وبالإضافة إلى هذين العاملين فإن “إسرائيل” حصلت في الجبهة اللبنانية على أكثر مما كانت تطلبه (أي توقف جبهة الإسناد).. لقد أدت هذه العوامل إلى وقف الحرب في لبنان قبل تنصيب ترامب.
-تحرك “المعارضة” و”الإرهاب المتأسلم” في سوريا: وهي الساحة التي اشتعلت فجأة، ما يؤكد التحليل الذي ذكرناه، حيث يسعى كل طرف لتحصين مواقعه وتعزيزها قبل تنصيب ترامب.. وحيث أن سوريا وتركيا لم تهتديا على وجه الخصوص إلى اتفاق سياسي، فقد كانت المواجهة المسلحة “اختيارا تركيا” للضغط على بشار الأسد.. صحيح أن تركيا لم تعلن عن دعمها المباشر لما حدث وجرى، إلا أن تصريحات رئيسها رجب طيب أردوغان و وزير خارجيته خاطبت الرئيس السوري مباشرة وطالبته بفتح حوار مع المعارضة، وكأن الحدث مدبّر لتعقبه هذه التصريحات.. الأزمة في سوريا معقدة وأطرافها متعددة، مصالح تركيا تختلف عن مصالح سوريا، النظام السوري لم يعد ينظر بعين الاطمئنان والرضا لإيران كما كان الأمر في السابق، روسيا تسعى إلى إيجاد تسوية بين سوريا وتركيا من غير تضرر لمصالحها في علاقتها بالطرفين معا، إيران لا تريد خسارة جميع مواقعها السياسية والعسكرية في سوريا، أمريكا و”إسرائيل” ترغبان في سوريا بعيدة عن إيران.. هناك تسوية سياسية يجب أن تتم على مرحلتين، سيطرة “المعارضة” على حلب تمهيد للمرحلة الأولى بين روسيا وإيران وسوريا، أما المرحلة الثانية فستتم بين روسيا و”أمريكا ترامب” أساسا..