صولة النفاق على وشك النفاذ

15 ديسمبر 2024 11:03
فيديو.. العنف ضد المرأة.. رؤية شرعية ومقاربة اجتماعية - د. أحمد اللويزة

هوية بريس – د.أحمد اللويزة

لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الإسلام، قضى في مكة 13 سنة يعاني مع أصحابه الذين أمنوا به في البداية جميع أنواع التعذيب والقهر، حتى اضطر أن يخرج من مكة مهاجرا الى المدينة تاركا مكة أحب بلد الى قلبه، وقد خرج منها الصحابة رضي الله عنهم بغير زاد ولا طعام ولا لباس، فقد تركوا كل ما يملكون فرارا بدينهم، ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى المدينة تم الشروع في بناء دولة جديدة قائمة على الشريعة الإسلامية والإيمان والتوحيد والانقياد لرب العباد.

ولما كانت أول مواجهه مسلحة مع معسكر الكفر والشرك -الذي أذاق المؤمنين ألوان العذاب والتنكيل لما كانوا في مكة- وذلك في غزوة بدر حيث انتصر المسلمون انتصارا باهرا صار بذكره الركبان، ولم تسمع بمثله قبائل العرب في سالف الازمان، لا سيما وأنه كان انتصارا في حرب غير متكافئة إطلاقا، لا عددا ولا عدة، وفي هذه الفترة بالضبط سوف يظهر من يسمون بالمنافقين الذين استشعروا صعود قوة المسلمين ونشأة دولة قوية تلتزم الإسلام شريعة ومنهجا.

فانتشر وظهر هؤلاء المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الايمان خوفا على أنفسهم وجبنا من المواجهة، فكانوا يلقون المؤمنين بوجه الإيمان، ويلقون الكافرين بوجه الكفر، وكل ما أتيحت لهم الفرصة إلا تواطؤوا مع أعداء الإسلام مبطنين العداء للمسلمين، يتكلمون عنهم بسوء في مجالسهم الخاصة، ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون للمؤمنين، وقد فضحهم القرآن شر فضيحة ونزلت فيهم سور وآيات خاصة تكشف خبث معادنهم ودناءتهم وحقارتهم بين الناس من مختلف الملل والنحل، حتى إنه في سورة البقرة تكلم الله عن المؤمنين وعن الكافرين بآيات مختصره، لكنه تحدث عن هذا الصنف الدنيء البئيس في آيات مطولة، ولم يزل المنافقون في هذه الأمة يظهرون عبر مختلف الأزمان والأمصار والأعصار يكونون عونا للأعداء على أمة الإسلام؛ وشاية وتخطيطا ودعما وتخذيلا للمؤمنين، وفي زماننا كان للمنافقين صوله وجولة لم تكن لهم مثلها في زمن من الأزمان، حيث كانت راية الإسلام خفاقة عالية، وكلمته نافذة وحصنه متين، بخلاف ما نعيشه اليوم من ضعف وهوان أصاب المسلمين يوم تخلوا عن دينهم ورغبوا عنه، وامتلأت قلوبهم حبا بالدنيا وملذاتها، فلما تسلط العدو عليهم واستباح بيضتهم واستولى على خيراتهم كان المنافقون لعدوهم خير معين وخير سند، وهنا رفع المنافقون هاماتهم وانتصبت قاماتهم وصاروا يتكلمون بكل أريحية، يظهرون ما كانوا يخفونه ويتبجحون به على رؤوس الأشهاد في محالفهم وقنواتهم الإعلامية على مختلف أشكالها.

يظن المنافقون أن ملل الكفر والطغيان توفر لهم الحماية والأمان ويحسبون أن حكاية الإسلام قد انتهت، وأن المسلمون قد ناموا ولن يستيقظوا، وأن الضعف والهوان قد استحكمهم، لذلك تراهم يسارعون في إظهار الولاء وتقديم الخدمة بكل صدق وإخلاص، في  انتاجات أدبية ومقالات علمية وحوارات ثقافية، وخرجات إعلامية ولقاءات صحفية، يرجون رضاهم ويستعطفون عنايتهم ويطمعون في الحماية والكرامة عندهم نكاية في الإسلام وأهله، ويفعلون ذلك ولا يعلمون أن رب الكون يقول: (أيبتغون عندهم العزة فلله العزة جميعا)، وأن هذا الواقع ليس فيه ما يصدم المتتبع الناظر في كتاب الله الذي قلنا أنه يفضحهم ويكشف خبيئاتهم، وفي هذا مثل هذا المقام يقول سبحانه: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)، وذلك أن المنافقين لا يعلمون أن العزة لله وأن الملك لله وأن الكون تحت تدبير الله وسلطانه، يوتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وإن كان تعلقهم بالله عز وجل إنما هو مصطنع يخالف الحقيقة ويعاكس ما في الباطن، ولذلك هم في غيهم سادرون يحسبون كل صيحه عليهم يفرحون بكل مصيبة أو تخلف او انحراف في بلاد المسلمين، ولن يستفيقوا من غفلتهم وغيهم ووهمهم إلا بعد أن يروا راية الإسلام قد رفرفت من جديد، وارتفعت لتعلن عودة المجد التليد، وتبشر بزوال الطغيان وعودة عدالة رب الأرض والسماء تحكم الأرض وتبيد الإجرام والمجرمين.

وهنا لابد من كلمة إلى أهل الإيمان أن يصبروا ويحتسبوا ويتحملوا هذه الصولة، فعما قريب تنتهي وأن العاقبة للمتقين، ولا ينبغي أن تفت في عضد المؤمنين الذين هيئهم الله واصطفاهم لنصرة الحق ومواجهة الباطل وأهله كيفما كانوا وأينما وجدوا في هذا الزمن الذي ضربت فيه الذلة على عموم المسلمين، إنكم في صف من يتولاهم الله ويحقق سعيهم ويقويهم في مواصلة مسيرهم حتى يكون للحق الصولات والجوالات، وتنتهي حكاية النفاق إلى غير رجعة، لتبدأ حكاية جديدة، ويوم يلقى المؤمنون ربهم عز وجل، فبعد أن يفرحوا بنصر الله في الدنيا يفرحون بجزاء الله عز وجل الاوفى لهم في الاخرة، وفي المقابل ترى المنافقين في بأس ويأس ومقت يهيمون على وجوههم في هذه الدنيا بلا عزة ولا كرامة، فإن العزة لله ورسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يفقهون، وأما في الأخرة فالدرك الأسفل من النار نعوذ بالله من الخذلان، وأن العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأن الأرض لله يورثها عباده الصالحين، وإلى ذلكم الحين اثبتوا أيها الصادقون، فان صولة النفاق على وشك النفوق، بعد أن يتمايز الفسطاطان؛ فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه كما ورد في الحديث، فإنها لحظات تمييز والله ولي الصالحين.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M