مصادرة الممتلكات “سيزي” وبيعها في المزاد العلني.. رؤية شرعية وموقف الإسلام

هوية بريس – د.رشيد بن كيران
◆ تتنوع الأسباب التي تدفع المحكمة إلى مصادرة ممتلكات الأفراد وحجزها المسمى في الاستعمال العامي “سيزي” “Saisie”، سواء كانت عقارات، أو سلعا، أو أراضي، أو غيرها من الأموال، ثم عرضها للبيع في المزاد العلني وفق القوانين الوضعية.
هذه الإجراءات القانونية تهدف عادة إلى تسديد ديون أو تنفيذ أحكام قضائية ناتجة عن مخالفات أو نزاعات مالية.
إلا أن النظر إلى هذه القضية من منظور الشريعة الإسلامية يُظهر أن مصادرة الممتلكات ليست دائما جائزة شرعا. فالشريعة تُولي أهمية كبيرة لحماية الملكية الفردية، وهي حق مكفول لا يجوز انتهاكه إلا بمسوغ شرعي معتبر. قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” (النساء:29).
◆ وبناء عليه، لا تكون مصادرة الممتلكات وبيعها جائزة شرعا إلا إذا استوفت الشروط الشرعية، ومنها أهمها:
1. وجود سبب مقبول حسب الشريعة الإسلامية لمصادرة الممتلكات بحيث يكون صاحب المال مثلا قد امتنع عن أداء دين مستحق في ذمته، وثبت ذلك بالبينات الشرعية. ففي الصحيحين قال النبي ﷺ: “مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ“، أي أن الامتناع عن أداء الدين مع القدرة عليه يُعد ظلما يستوجب تدخل القضاء وإنصاف الدائن المظلوم. أو قام بانتهاك حقوق آخرين استوجبت تعويضا ماليا وفق الشريعة الإسلامية، وغيرها من الأسباب المعتبرة شرعا.
2. تنفيذ إجراءات المصادرة والحجز وفق العدل بالمفهوم الشرعي؛ فلا يُلجأ إلى مصادرة الممتلكات إلا بعد استنفاد جميع الوسائل الممكنة لإعطاء صاحبها فرصة لسداد دينه أو التعويض المالي الذي وجب عليه.
3. عدم وقوع ضرر أو ظلم؛ فالإسلام يحرم كل إجراء يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل أو الإضرار بهم. ففي حديث صحيح يقول النبي ﷺ: “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ“.
◆ أما شراء هذه الممتلكات في المزاد العلني فلا يجوز شرعا إلا إذا كانت المصادرة والبيع قد تمت وفق الشروط الشرعية، لأن المال المصادر ظلما أي مخالفا لأحكام الشرع يبقى ملكا لصاحبه، وبيعه يعدّ باطلا، فكل من اشترى مالا قد انتزع من صاحبه ظلما، وهو يعلم، فقد اشترى حراما. وفي الصحيحين يقول النبي ﷺ: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا“.
◆ خلاصة القول: إن صحة انتقال الملكية في الشريعة الإسلامية تتوقف على وجود سبب شرعي معتبر، وإذا انتفى هذا السبب، كان انتقال الملكية أو البيع #باطلا_شرعا، أي إن تلك الممتلكات تأخذ أحكام الأموال المغصوبة، وبالتالي لا يجوز للمسلم شراؤها، حتى لو كانت إجراءات بيعها قد تمت وفق القوانين الوضعية، ((إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ)).
♦ ولهذا، أدعو كل مقبل على شراء ممتلكات سيزي أن يتأكد من حقيقة أمرها، ومدى موافقة ما جرى للشريعة الإسلامية، فإذا تعذر عليه ذلك فإن منهاج الدين يدعوه إلى التوقف؛ “فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ”.



