ويحمان يكتب.. أخنوش وحكومته عنوان لحكم فاسد قولا وفعلا

23 ديسمبر 2024 21:54

هوية بريس – عبد الله التازي

كتب أحمد ويحمان، باحث في علم الاجتماع السياسي ومهتم بقصايا الحكامة والفساد، مقالا دخل من خلاله على الخط الجدل الواسع الذي خلفه اختيار إحدى الشركات المملوكة لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، لإنجاز محطة تحلية مياه الدار البيضاء المستقبلية بمبلغ 6.5 مليارات درهم، وخروج هذا الأخير (أخنوش) للدفاع عن فوزه بهذه الصفقة الكبيرة أمام الرأي العام الوطني، رغم ما يشكله ذلك من تضارب صارخ للمصالح حسب المعارضة وعدد كبير من المحللين والمتابعين.



وقال ويحمان في مستهل مقاله ” إنها كلمات، في شكل ومضات، لفصل المقال بين حكم الفساد والحكم الرشيد. والفساد هنا عام وشامل، لا يقتصر على الجانب السياسي والإداري والمالي وحسب، وإنما يطال الجانب القيمي والأخلاقي كذلك، مما يشكل تهديدا جديا على البلاد، وعلى كل المستويات”.

وتحت عنوان ’’استغلال النفوذ وتضارب المصالح منهجية حكم‘‘، قال أحمد ويحمان ” في ظل حكومة عزيز أخنوش، لم يعد استغلال النفوذ مجرد انحراف فردي، بل تحول إلى نهج ممنهج يعكس تضارب المصالح كأداة لإدارة الدولة. وهذا النهج، بطبيعة الحال، يتناقض مع مبادئ الشفافية والحكامة الرشيدة، حيث يُعتبر منع تعارض المصالح شرطًا أساسيًا للتمييز بين الحكم الفاسد والحكم الرشيد؛ فمنذ توليه رئاسة الحكومة، شهدت المؤسسات الرقابية، مثل هيئة النزاهة ومحاربة الرشوة، تراجعًا خطيرًا في أدوارها، بل إنها تعرضت للانقلاب على المكتسبات الهشة التي تحققت سابقًا، والتي كانت تُبشر بثقافة القانون والحكم الرشيد. والمغرب، الذي كان قد استضاف المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد عام 2011، يجد نفسه اليوم في ظل سياسات تُفرغ القوانين المتعلقة بالمساءلة من فعاليتها، مما يعكس توجهًا ممنهجًا نحو تقويض آليات المحاسبة وتعزيز ثقافة الإفلات من العقاب”.

وبخصوص ’’المادة 20 من الاتفاقية الدولية وبند القانون الجنائي‘‘ قال ويحمان بأن ” مآل المادة 20 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وبند الإثراء غير المشروع في مشروع القانون الجنائي المغربي مؤشر دال أصبح دليلا قاطعا في الواقع على إرادة وممارسة وفعل الفساد وليس مجرد النية فيه؛ فرغم أن المغرب انضم لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تُلزم الدول بتجريم الإثراء غير المشروع، فإن هذا النص غير مطبق على المسؤولين الكبار، وعلى رأسهم رئيس الحكومة. وقد تحولت المناصب العمومية إلى أدوات لتعزيز النفوذ الاقتصادي الخاص بدلاً من خدمة المصلحة العامة”.

‬وفي هذا الصدد أيضا، يضيف المقال، ” يدخل قرار حكومة‭ ‬عزيز ‬أخنوش‭ ‬في نونبر 2021،‭ ‬و‬لم‭ ‬يمر‬على‭ ‬تعيينها‭ ‬سوى‭ ‬وقت‭ ‬يسير،‭ ‬سحب‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬المعني‭ ‬الحامل‭ ‬لرقم ‭ ‬16.10بدعوى‭ ‬‬صعوبة‭ ‬مناقشته‭ ‬بشكل‭ ‬مجزأ،‭ !!‬وبضرورة‭ ‬مناقشته‭ ‬في‭ ‬شموليته،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬‬على‭ ‬لسان‭ ‬مصطفى‭ ‬بايتاس،‭ ‬الوزير‭ ‬المنتدب‭ ‬لدى‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المكلف‭ ‬بالعلاقات‭ ‬مع‭ ‬البرلمان‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحكوممة.‬ ‬وهي الفضيحة التي تركت لوزير العدل عبد اللطيف وهبي مهمة تنفيذها وإعلانها والقاضية بسحب المشروع في شهر يوليو من نفس السنة !”.

وأوضح المقال بأن ” كل ما سبق من تجميد وإهمال للمادة 20 من الاتفاقية الدولية ومن ترتيبات لتحييد النصوص القانونية المعززة لمؤسسات الحكامة كما ينص عليها الدستور، ستتضح خلفياته مباشرة من خلال سلسلة من الفضائح ما تلبث تهز الرأي العام وتهز معه ثقة الشعب في المؤسسات. ومشروع تحلية مياه البحر في الدار البيضاء يُجسد نموذجًا واضحًا لاستغلال النفوذ وتضارب المصالح الذي ما انفك يتفاعل داخل البرلمان وخارجه. فبتكلفة بلغت 650 مليار سنتيم، تم إسناد هذا المشروع الضخم لشركات يملكها رئيس الحكومة نفسه دون إجراء منافسة شفافة، ما يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ النزاهة”.

وذكر ويحمان في ذات المقال بأن ” هذا النموذج يعيد إلى الأذهان فضيحة الـ 17 مليار درهم التي أثارها النائب البرلماني من الحزب الاشتراكي الموحد عمر بلافريج وكذلك النائب البرلماني د عبد الله بوانو، وكشف فيها تفاصيل، أكثر هولا، الخبير الاقتصادي د. نجيب أقصبي الذي أفاد أنها لم تعد في هذا الحدود لأن المبالغ الذي يتم الاستحواذ عليه ما يزال يتضاعف بسبب عدم وضع حد بعد لهذا الاستحواذ المتنامي يوما عن يوم!. فهذه الفضيحة ارتبطت بتضارب المصالح واستغلال النفوذ لتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة لفائد رئيس الحكومة الشخصية على حساب مشاريع التنمية في الصحة والتعليم لفائدة الشعب، مما يؤكد استمرار النهج ذاته في إدارة الموارد والمشاريع الحيوية”.

وإذا كان كل هذا غريبا ومفارقا، فإن الأغرب منه، حسب المقال ” هو أن رئيس الحكومة، بدلًا من مواجهة الانتقادات بمواقف شفافة، لجأ إلى خطاب دفاعي أمام البرلمان يهدف إلى شرعنة تضارب المصالح وتطبيع استغلال المنصب الحكومي، وهذه الممارسات هي التي تعمّق أزمة الثقة بين المواطن والدولة، وترسخ ثقافة الإفلات من العقاب كقاعدة غير معلنة للحكم وهو ما يفسح الباب مشرعا لانعدام المعايير وهي أقصر الطرق للوصول، لا قدر الله، لما يعرف بـ’’الدولة الفاشلة‘‘ “.

وتطرق أحمد ويحمان في المقال ذاتها إلى أنه “الفساد القيمي.. الشذوذ الجنسي نموذجًا”، بالموازاة مع الفساد السياسي والإداري والمالي.

وشدد ويحمان ان هذا البعد الجديد ” يؤكد أن الفساد نهج وبرنامج عام وأجندة وراء أَكَمَتِهَا ما وراءها، خصص رئيس الحكومة، بصفته هذه المرة رئيسا لمجلس بلدية أݣادير، مئات الملايين لدعم فعاليات مشبوهة، مثل مهرجان “بيلماون”، الذي شهد تتويج ملك الشذوذ الجنسي وبالبروتوكول الملكي، بشكل يستهدف كل الرمزيات الروحية والوطنية للمغاربة وعقيدتهم الدينية. كما دافع وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن الخضوع لأجندات تدعم الشذوذ الجنسي بدعوى أن لوبي الشذوذ قوي في العالم ولا يمكننا مواجهته !!، في تبرير يضرب عرض الحائط بقيم المجتمع المغربي. وهو، في اعتبارنا، من أخطر ما وصل إليه الفساد على هذا المستوى.. لاسيما إذا تستحضرنا فضيحة مهرجان مراكش السينمائي، حيث تم تتويج المدعو الطايع، رمز الشذوذ الجنسي، “كواجهة ثقافية مغربية”، مما يعكس تسخير المال العام لترويج ممارسات وقيم تتناقض، درجة الخطر، مع أخلاقيات المجتمع وأعرافه وعقيدته!! “.

وفيما يتعلق بالبديل المقترح، قال ويحمان ” كثيرا ما يلاحظ على المنتقدين للأوضاع، بعد التسليم بوجاهة انتقاداتهم، غياب البديل لديهم. ويهمنا بهذه المناسبة أن نؤكد، لاسيما بعد سقوط المنظومة الغربية القيمية والأخلاقية في مجازر غزة والمنطقة، الدعوة إلى العودة لميراثنا الثقافي والحضاري لتمثل معانيه العميقة المرتبطة بواقعنا والتي انفصلنا عنها فتهنا على مر العصور”.

وشدد المقال على أن ” الجواب على معضلة الفساد ليس غائبًا عن تاريخنا الحضاري. فحين أوقف الصحابة رئيس الدولة، خليفة رسول الله ﷺ، أبو بكر الصديق، عن ممارسة التجارة وهو في منصب الإمارة، كان ذلك إقرارًا بأن الإمارة والتجارة متنافيتان، وأن مصروف الخليفة من بيت مال المسلمين كافٍ مقابل تفرغه لخدمة الأمة. كذلك، نجد في تاريخنا مثالًا ساميًا للنزاهة والمساواة في واقعة مثول رئيس الدولة علي بن أبي طالب، خليفة المسلمين، أمام القضاء في مواجهة مواطن من الاقليات، (يهودي) في قصة الدرع المشهورة. ورغم مكانته، خسر رئيس الدولة القضية لعدم توفر دليل لديه – بعد رفض شهادة ابنه الحسن ومساعده قبرة باعتبارهما شهادتين مجروحتين بالقرابة – في نموذجٍ يُجسد سيادة القانون واحترام المؤسسات”.

ومن الدروس التي لا تغيب عن الأذهان، يضيف المقال ” موقف رئيس الدولة عمر بن الخطاب عندما حاسب عامله على البحرين، الصحابي الجليل أبو هريرة، سائلاً إياه: “من أين لك هذا؟” يا أبا هريرة !؟ . وصادر ممتلكاته التي تضخمت بفضل المنصب، مؤكدًا أن المسؤولية أمانة وليست وسيلة للإثراء”.

وختم أحمد ويحمان مقاله بالقول ” لقد دخلنا في “اقتصاد النهب ” وبالتالي في حكم النهب كما درسه علماء الاجتماع المهتمين بالدولة النيوباتريمونيالية في آسيا انطلاقا من حكم ماركوس في الفلبين قبل سقوطه. وهو نفس سمات البنيات في الدولة النيوباتريمونيالية في أمريكا الجنوبية وفي إفريقيا كما درسها الأفريقانيون، لاسيما في أطروحة ” البيݣ مان ” عند جون فرنسوا ميدار .. سمات الدولة النيوباتريمونيالية، حيث تتهاوى الحدود بين الملك العام والملك الخاص للحاكمين، الذين ” يحكمون ليغتنوا، ويغتنون ليحكموا “، هي قانون هذا النوع من الدول التي تدار فيها الأمور في دورة بقدر ما تراكم من ثروات المستغلين في جهة بقدر ما تسحق الشعب وفآته الفقيرة في الجهة الأخرى”.

ليتساءل ” هل سيكتب للمغرب تدارك هذه الكوارث التي ألمت به وبتدبير شأنه، تدارك يعيد النزاهة والشفافية إلى صلب الحكم؟ أم سيواصل السير في طريق يهدد ثقة الشعب واستقرار الوطن؟ نطرح السؤال وأكفنا ضارعة لله أن يلطف بهذا البلد، وهو على كل شيء قدير”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M