الكنبوري يكتب عن: “مفاسد خطيرة” تؤول إليها مقترحات تعديل المدونة!
هوية بريس – إدريس الكنبوري (*)
من خلال متابعة ردود الفعل تجاه مقترحات مدونة الأسرة الجديدة يتبين بأن هناك رأيا عاما رافضا لهذه المقترحات، وبأن المغاربة يجدون صعوبة في تقبل التغييرات الجديدة التي أدخلت على المدونة، إذ يعتبرها البعض بعيدة عن مقتضيات الشريعة والبعض يعتبرها نهاية للأسرة المغربية والبعض الآخر يعتبرها من عوامل تفكيك البناء الأسري الموجود.
بحسب المقترحات التي قدمها وزير العدل اليوم في اللقاء الصحافي يبدو أن هناك بعض الإيجابيات من حيث الشكل، ولكن تلك الإيجابيات من الناحية القانونية ستكون لها سلبيات بالتأكيد على مستوى السلوك والممارسة.
عندما اطلعت على تلك المقترحات خطرت لي بتلقائية الآية الكريمة “لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”، ذلك أن العلاقات الأسرية تنبني على العفوية والأعراف الأخلاقية والاجتماعية وليس على الضبط والعقلانية الجامدة التي تشبه الضبط الإداري، لأن الأسرة ليست إدارة لكن مؤسسة اجتماعية، وعندما تتحول المسؤوليات الأسرية إلى قانون زجري ويشعر كل طرف بأن الطرف الآخر ملزم قانونا لا عرفا ستتدخل الحسابات الشخصية، أي أن المعاشرة الزوجية ستتحول إلى نوع من الإكراه.
لقد بنى الله سبحانه العلاقة الزوجية على المودة والرحمة كمبدأ، ثم حدد بعض الإجراءات القانونية فيما يخص الطلاق والنفقة والميراث، وجعل هذه الإجراءات خاصة بانحلال العلاقة الزوجية لا بربطها، أي أن تلك الإجراءات لا يتم اللجوء إليها إلا في حالة حصول “الأزمة” في ميثاق الزوجية، ولكن عندما توضع مدونة الأسرة على أساس أن هناك أزمة قبل الحياة الزوجية يجب أن تحاط بالضمانات الزجرية فإن الحياة الزوجية تتحول إلى عناء للطرفين.
يقول الفقهاء بأن الزواج بنية الطلاق غير جائز، ولكن بعض الإجراءات التي تضمنتها المدونة فيما يتعلق بحقوق الزوجة ستجعلنا أمام حالات من الزواج بنية الطلاق، وهذه المرة لدى المرأة لا الرجل، فاعتبار عمل الزوجة داخل البيت مساهمة في الأموال المكتسبة بما يقضي بتقاسمها بعد الطلاق سوف يؤدي حتما إلى فتح شهية بعض النساء في المنافع التي يجمعها الزوج والطمع في ممتلكاته، علما بأن هذا الأمر يعد سطوا على أموال الغير، فإذا أضفنا أن هذا الزوج المطلق سيتزوج ثانية بعد تقاسم ممتلكاته مع طليقته الأولى، وافترضنا أن هذا الزواج الثاني فشل، فهذا سوف يؤدي بالزوج إلى الشارع، هذا إن كان يملك شيئا أصلا، فالذين وضعوا هذا المقترح بدعوى الاجتهاد لم يفكروا في المآلات، ثم إنهم فكروا في حقوق المرأة وأهملوا حقوق الرجل.
أما إخراج بيت الزوجية من التركة وجعله للزوجة فهذا تترتب عنه مفاسد كبرى، خصوصا في مجتمعنا الذي يرتكز على الارتباطات العائلية والقيم الأسرية في التكافل والتضامن، فإذا افترضنا أن أب الزوج وأمه مثلا يعيشان معه، أو تعيش معه أخت مطلقة مع أبنائها، وهي حالات موجودة في المجتمع، أو تعيش معه أخت لم تتزوج، فإن مصير هؤلاء سيكون إلى الشارع، وقد تتزوج المرأة من رجل آخر إذا مات الزوج في سن مبكرة. فهذا الإجراء وضع لمجتمع ليبرالي فيه الأسرة النووية الصغيرة المبنية على النزعة الفردانية.
ومن العجيب أن المقترحات جعلت التعدد وزواج القاصر بيد القضاء الذي عليه أن يبث فيهما حسب الحالات، واستثنت القضايا الأخرى من الاجتهاد القضائي، مثل السكن أو تقاسم الممتلكات، فكيف جاز الاجتهاد فيهما ولم يجز في هاذين، مع أن المفاسد الاجتماعية التي تترتب عن السكن والممتلكات أخطر من المفاسد المترتبة على الحالتين الأخريين، وواضح في جميع هذه الحالات أن حقوق الزوجة كانت هي المنطلق على حساب حقوق الزوج والأسرة.
كثيرا ما نسمع عن الاجتهاد في القضايا الأسرية، بينما نحن نتحدث عن مدونة تتضمن قوانين صارمة لا تقبل الاجتهاد، وهذا تناقض واضح ولا علاقة له بالاجتهاد، لأن الاجتهاد عندما يتحول إلى قواعد قانونية تغلق إمكانية النظر في النوازل والحالات الخصوصية وتفرض مراعاتها لا يعود اجتهادا، إذ الاجتهاد يعني مرونة القاعدة لا جمودها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(*) باحث أكاديمي ومفكر وشاعر وروائي ومحلل سياسي مغربي. مهتم بالفكر الإسلامي.