من العهود الكلية واجبة الوفاء

12 يناير 2025 00:27

هوية بريس – د.ميمون نكاز

خرجت من المسجد مثقلا حزينا بعد الاستماع إلى الخطيب الذي أجهد نفسه في تعتعة الخطبة وتهجيتها، كان مما ذكره من نصوص الوحي قوله تعالى: {وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} [الأنعام152]، في سياق الحديث عما يقتضيه الوفاء بعهد “الاستقلال”، حينها تذكرت قوله تعالى: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، أولائك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} [الرعد25]، وفي سورة البقرة: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، أولائك هم الخاسرون}[البقرة27]…

ثم تساءلت: كم هي العهود والمواثيق التي يوجبها “الوفاء لعهد الاستقلال” يعمد الكثيرون لنقضها، وفي ذلك يجهدون؟ لعل أبرزها وأظهرها في هذه الأيام العمل على المساس بالسيادة التشريعية “المستقلة” في تدبير الشأن الأسري…

في سبيلي إلى البيت تداعت في النفس هذه العهود والمواثيق، التي أحسبها أساسات لكل “استقلال سيادي حقيقي”، سواء تعلق الأمر بالفرد أو بالجماعة، في مجتمع أو في دولة أو في حضارة…

عهد التوحيد الخالص. جاء في الوحي الشريف: {وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّاتِهِمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤۚ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ، أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّة مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ، وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ} [الأعراف 172-174].

عهد العبادة الخالصة، جاء في الوحي الشريف: {أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّ مُّبِین، وَأَنِ ٱعۡبُدُونِیۚ هَـٰذَا صِرَ ٰ⁠ط مُّسۡتَقِیم، وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّا كَثِیرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُوا۟ تَعۡقِلُونَ} [يس60-62].

عهد البيان التام وعدم الكتمان في رقاب أهل العلم، جاء في الوحي الشريف:{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ لَتُبَیِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَاۤءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦ ثَمَنًا قَلِیلاۖ فَبِئۡسَ مَا یَشۡتَرُونَ} [آل عمران187].

عهد الاحتكام إلى الشريعة والقطع مع اتباع الأهواء المضلة التي يدعو إليها ويغري بها الذين يزعمون لأنفسهم العلم والمعرفة من أذيال الغرب ومقلدة الحداثة: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين، هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}[الجاثية18-20]، وفي سياق دلالتها ومعناها قوله تعالى: {وَأَنِ ٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن یَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُصِیبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِیرا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ، أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ یَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡما لِّقَوۡم یُوقِنُونَ﴾ [المائدة 49-50].

عهد حفظ الأمانات وصيانة الحق والعدل بين الناس في الأقضية والأحكام: {إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرا﴾ [النساء 58]، الدلالة ذاتها في قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل 90]، هي ذاتها كذلك في قوله سبحانه: {یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَة فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَاب شَدِیدُۢ بِمَا نَسُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ﴾ [ص 26]…

هذه العهود وأمثالها كلية في أبوابها واختصاصاتها وفي متعلقاتها، لم نقصد التفصيل فيها، إنما قصدنا الإشارة البيانية العامة إليها في معرض القول المنبري في مطالب الوفاء بالعهود الذي غرد في سرب مخصوص مقصود من غير “وفاء” لما تقتضيه العهود والمواثيق الكلية في تمام ارتباطاتها…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M