هي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
هوية بريس – ميمون نكاز
أكره الجدال والمراء والتنابز بالألقاب لعامة الناس، وهي عندي في أهل العلم والمعرفة أكره وأبغض وأرذل، وأفحش من ذلك في حقهم وشأنهم الإصرار عليها بأضرب من التأويل والتكييف الجدلي تزكية لأنفسهم المجادلة بأنفسهم الممارية النابزة…
يحزنني الانتصار للنفس في ظروف الشدة والبلاء والمحنة التي تجتازها أمتنا في مواقع شتى من بلاد الإسلام، ويؤسفني “السفول بالعلم” إلى “دركات المعاندة والمكابرة واللجاجة والفظاظة” بأضاليل المناقشة والمدارسة والمحاورة، كذلك الاحتجاج الواهم بأبطولة الحق الاختلافي في النقد والنقض والمساءلة والاعتراض، إذ ما هي في وقائع الأمر سوى حجب لمداخل النفس وستائر لمسارب الشيطان إليها من أجل التحريش بين الناس لقصد إفساد الود بينهم، ولغرض قطع “أرحام العلم” بين المنتسبين إليه…
جاء في “سنن الترمذي” عن الصادق الأمين الناصح من حديث أبي أمامة الباهلي قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا: {ما ضربوه لك إلا جدلا، بل هم قوم خصمون} [الزخرف58]، وجاء عنه أيضا قوله: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا…)…
أذهب بعيدا في البيان فأقول: هب أن من تجادله من أهل العلم “جاهل” كما هو في ميزان نظرك، وأنه من الخائضين في قضايا العلم ومسائله من غير إحكام ولا إتقان، أليس من الواجب التكليفي أن تعرض عنه حتى يخوض في حديث غيره، فإن الناظر في خوضه يجده خوضا جزئيا صغيرا إذا قورن بالخوض الكلي الكبير في آيات الله واتخاذها هزؤا وسخرية حيث نهي الإنسان عن القعود مع الخائضين المستهزئين رضا بصنيعهم أو مشاركة لهم في خوضهم: {وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ یُكۡفَرُ بِهَا وَیُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُوا۟ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ یَخُوضُوا۟ فِی حَدِیثٍ غَیۡرِهِۦۤ إِنَّكُمۡ إِذا مِّثۡلُهُمۡۗ﴾ [النساء 140]، فلا ريب أن الجزئي الصغير من الخوض مشمول بهذا التوجيه القرآني الحكيم في ذلكم الكلي الأكبر، فالموصول بالعلم لا يقعد للخوض مع الخائضين في الملهيات عن روح العلم وصميم المعرفة، يستوي في ذلك القعودان؛ القعود الحسي والقعود الافتراضي المجازي… {إِنَّ فِی ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِید} [ق37]، ومن أراد المكابرة بالجدل والمراء في هذه الآفة فلا نريد أن “نُصاغِرَه”…