الآلة الإعلامية المغربية وكيفية تغطيتها للأحداث
بوجمعة حدوش
هوية بريس – الإثنين 03 فبراير 2014م
في الآونة الأخيرة طفت على سطح الساحة السياسية مجموعة من المواضيع المختلفة التي أخذت حيزا كبيرا في المتابعة والتحليل، وغالب هذه المواضيع المستجدة عرفت نقاشا حادا بين المثقفين المسلمين المغاربة وبين العَلمانيين المغاربة.
وقد نالت هذه المواضيع الحساسة استغراب الناس من هجوم بعض العلمانيين على ثوابت وقيم وأخلاق المغاربة، وزاد استغرابهم عندما شاهدوا قنواتهم وشاشاتهم الفضائية التي يمولونها من مالهم الخاص تنحاز لطرف على حساب طرف آخر، تنحاز للأقلية على حساب الشعب المغربي المسلم.
وهذا غير خفي على أحد، فما أن يظهر موضوع ما على الساحة ويخوض الناس في تداوله ونقاشه حتى تجد الألة الإعلامية المغربية قد جندت إعلامييها ومقدمي برامجها من أجل خوض غمار هذه المواضيع والحديث فيها، حتى يخيل للمشاهد أنها جندتهم من أجل الدفاع عن الصحراء المغربية أو عن الأراضي المغربية التي لا تزال محتلة.
فتجد برنامج تلو الأخر وضيوف مختلفي التخصصات يتحدثون بكل جرأة في تلك المواضيع ويلقون باللئيمة على هذا وذاك ويتدارسون بينهم كيفية معالجة هذه المشاكل التي يصطنعها دائما التيار المحافظ، والقوانين والبنود التي يجب وضعها من أجل عدم الوقوع في مثل تلك المشاكل مرات أخرى.
لكن ما إن تتفرس في وجوه مقدمي وضيوف برامج تلك القنوات وتسمع لحديثهم حتى تتأكد أن القناة غير محايدة بالمرة، وأنها تنحاز لطرف دون أخر وأنها تتبنى إيديولوجية معينة تجعل المشاهد يصعب عليه أن يحكم عليها بالحياد، ويسهل عليه أن يعرف التوجه الذي تتجهه والإيديولوجية التي تتبعها.
وإذا حدث واستضافت ضيفا من الطرف الأخر الذي لا تحب رأيه أو السماع منه ممن يسمونهم التيار المحافظ، فإنهم يجعلونه في برنامجهم ذلك “المتهم” الذي ينوب عن الطرف الذي ينتمي إليه، فيأتون به فردا في وضعية الدفاع ويأتون بالطرف الأخر جماعة في وضعية الهجوم، ويبدؤون بإلقاء العتاب واللوم عليه وعلى كل من على شاكلته، فما أن تنتهي الحلقة حتى يحققوا مرادهم بقلب الحق باطلا والباطل حقا.
هكذا هي الألة الإعلامية المغربية لا تجد فيها مجالا للرأي الأخر، لا صوت يعلو على صوت من يرتضونه ولو كان مخطئا، وإذا ما سولت للطرف الأخر الرد على خطأ هذا الذي يرتضونه فلا يتوانون في الدفاع عنه، وقلب الموضوع لصلاحه.
ومن الأمثلة على ذلك، ذلك الموضوع الساخن الذي كان بين الشيخ عبد الله نهاري وبين المختار الغزيوي، حيث أن هذا الأخير أعلن على الملأ ما المغاربة متحفظون عنه ودينهم يحرمه وهو الزنا ولو كان عن اختيار ورضى من الطرفين، فدينهم يعتبر من يرضى لأهله الزنى أنه “ديوث” وحده القتل، وهذا ما قاله الشيخ عبد الله نهاري، لكن من دهاء الألة الإعلامية أنها نسيت أن المدعو الغزيوي هجم على دين من يمولونها من جيوبهم لتتحدث عن متطرف يدعو إلى القتل واستباحة دم المختار الغزيوي، لا لشيء إلا لأنه عبر عن رأيه بكل حرية وأريحية، لذا يجب معاقبة ذلك المتطرف بأقسى العقوبات حتى لا يفقد المغرب الاستحقاقات التي حصل عليها جراء الحراك الشعبي الذي شهده المغرب.
هكذا غيّر الإعلام المغربي المشهد، من مشهد تطاول الغزيوي على ثوابت الدين إلى مشهد دعوة نهاري إلى القتل.
ومثال آخر على قلب الإعلام المغربي للحقائق، لحساب الطرف العلماني على حساب الشعب المغربي عامة، ما شهدته الساحة مؤخرا من القضية التي كان بطلاها الشيخ أبونعيم ولشكر، حيث أن هذا الأخير أيضا دعا في تصريح له إلى المساواة في الإرث بين الجنسيين وإلى أمور أخرى تعتبر من الثوابت عند الشعب المغربي، وآياتها محكمة في الكتاب الكريم، هذا الذي أثار حفيظة الشيخ أبو نعيم ورأى أن لشكر قد تطاول على القرآن الحكيم، وأن حكمه هو “الكفر”، هذا الذي أثار أيضا الألة الإعلامية المغربية لتصطف في صف واحد وتحارب متطرفا آخر، متطرف يدعو هذه المرة إلى الفتنة من خلال وصفه لمن يعبر عن رأيه بالكفر، وقد نسيت هذه الألة الإعلامية أو تناست أن الأول هو الذي دعا إلى الفتنة وهو الذي حرض الأقلام للكتابة ضده والمنابر للرد عنه، فلو أنه لم يحطم حصون ثوابت المغاربة ما انبرى له أحد، فقد كان من الأولى على هذه الألة الإعلامية المغربية أن تدافع عن ثوابت المغاربة من أجل إيقاف الفتنة لا لإشعالها بدفاعها عن من أشعل الفتنة.
وهكذا في كل قضية نجد أن هذه الألة الإعلامية تأبى تحليل ومتابعة هذه القضايا بكل موضوعية وحيادية بل تتعسف في ربط القضايا بأخرى من أجل وضع الطرف الآخر “الإسلامي” في حرج وإلقاء اللوم عليه واعتباره هو دائما المخطئ والمثير للفتن، في حين يترقب المشاهد المغربي أن تغير هذه القنوات من نهجها وتغطيتها للأحداث، أو أن يُسمح بظهور قناة محايدة في سماء الفضائيات.