وقفة صادقة مع غزة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المجاهدين ورافع لواء الدين و منكس رايات بني قينقاع وبني النضير و على آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد ،
تعيش أمتنا الإسلامية اليوم مرحلة من الضعف لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسلمين ، فقد تداعت عليها الأمم لتأكل من قصعتها وتنهش من لحمها و تتغذى من خيراتها …بل ولتهدم بنيانها و تقتل أطفالها ونساءها …والأعحب من ذلك على مرأى العالم و خصوصا إخوانهم المسلمين ، وبالأمس كانت وسائل الاتصال ضعيفة تنقل الأخبار فقط ، فإذا سمع المسلمون ما حل بإخوانهم انتفضوا وقاموا بدافع الغيرة و النصرة التي أوجبها الله عليهم ، و يا للعجب فلقد كان لبعض رجال العرب في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف عظيم من حصار المشركين لبني هشام في الشعب حين قالوا : ” *أنأكل الطعام ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم ، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة* ” فأنكروا الظلم على الظالم مع مخالفتهم لعقيدتهم .
أما نحن اليوم فلا نسمع الأخبار فقط، *بل نشاهد الحدث بالصوت والصورة و بالمباشر !! ولكن للأسف الشديد، كما قال الشاعر :*
*مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ***
*ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ* .*
فلا نخوة العرب أيقظتنا ولا رابطة الإسلام حركتنا.
*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”*
ويا له من وصف عجيب، فإن الأمة من أقصى الأرض إلى أدناه كالجسد الواحد ، إذا تضرر البعض، تألم القاصي للداني فهذه طبيعتها، وإن حقيقة الإسلام أن تسري روحه في قلبك، فتتألم لما يعانيه إخوانك، وخصوصا ما نراه من المشاهد التي تقطع القلوب لقتل الأطفال والمسنين و تجويع النازحين و تهجير الأرامل والمساكين.
ولكن، *ليعلم الجميع أنهم مسؤولون بين يدي الله رب العالمين* ، كلٌّ في موقعه وعلى حسب قدرته واستطاعته… *قال تعالى: ” ﴿ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾[ الصافات: 24]*،
وإن الله تعالى يبتلي عباده ليميز الصادق من الكاذب.
*قال تعالى: ” الٓمٓ (1) أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ (2) وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ (3) ” العنكبوت*
والدنيا مهما عُمِّرنا فيها ،فإنها ستمضي بأفراحها و أقراحها ، و سيكتب الله تعالى مواقف الصادقين و انبطاح المتخاذلين المنهزمين،و سيأتي اليوم الذي ينتصر فيه الحق على الباطل عمَّا قريب بإذنه تعالى *” أليس الصبح بقريب “* .
و نصيحتي لأمة الإسلام في جميع بقاع الأرض ، أن نصر المسلمين على الكفار على مر الأزمنة و العصور *تحكمه سنن مطردة لا تتخلف ولا تتغير* ، فإذا أخذ المسلمون بها و حققوها في أنفسهم وواقعهم، مكَّن الله لهم في الأرض فأقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والعاقبة للمتقين .
و إن من أعظم هذه السنن ، عودة المسلمين إلى دينهم وتمسكهم بعقيدتهم و إقامتهم لشرع ربهم ، *وقد كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهما- ومن معه من الأجناد،أما بعد؛*
” *فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضلُ العدّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب.* ، *وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراساً من المعاصي منكم من عدوّكم، فإنّ ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوّهم، وإنّما يُنصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عدَدَنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلاّ ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا.*”
فالتقوى سبب عظيم في تحقيق النصر و التمكين للمسلمين في كل زمان ومكان .
و إن من أوجب الواجبات الدعاء مع إخواننا في غزة في كل وقت وحين ، فنتفس بآلامهم و نلهج بالدعاء معهم و نبذل الغالي والنفيس في سبيل نصرتهم.
أما بني صهيون ، فإن ساعتهم قد أزفت وحلّت واقتربت، فإن الله تعالى ذكر حال الأقوام السابقة عندما تصل إلى قمة طغيانها فإن تهوي في مكان سحيق ،فاقرأ وتأمل وتدبر لتدرك الحقيقة ساطعة وواضحة وجلية من الله تعالى ،قال سبحانه : ” *اَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) اِرَمَ ذَاتِ اِ۬لْعِمَادِ (7) اِ۬لتِے لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِے اِ۬لْبِلَٰدِ (8) وَثَمُودَ اَ۬لذِينَ جَابُواْ اُ۬لصَّخْرَ بِالْوَادِۦ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِے اِ۬لَاوْتَادِ (10) اِ۬لذِينَ طَغَوْاْ فِے اِ۬لْبِلَٰدِ (11) فَأَكْثَرُواْ فِيهَا اَ۬لْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍۖ (13) اِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِۖ (14) “* سورة الفجر .
فوصول الأمم لدرجة الطغيان و الفساد يأذن بخرابها وأفولها مهما عظمت في قوتها ، ” *وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون*” ، وهذه من سنن الله تعالى كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته.
وفي الختام ، كن صاحب موقف صادق بقول كلمة أو كتابة جملة أو زرع مبدأ أو مقاطعة منتوج أو تعليم دعاء أو نشر مقطع …، والأكثر من ذلك إصلاح نفسك و أسرتك والثبات على قضية فلسطين فإنها قضية أمة وهي منصورة بإذن الله تعالى.
فأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينصر إخواننا في فلسطين نصرا عزيزا مؤزرا يعز به الدين ويرفع راية الإسلام والمسلمين ، اللهم اشف مرضاهم وداو جرحاهم و اسق عطشهم و أطعم جائعهم و تقبل شهداءهم وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك ، اللهم عليك بالصهاينة المعتدين الظالمين المجرمين ، اللهم اهزمهم وزلزلزهم.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



