قراءة في كتاب النسوية الإسلامية بين الانسلاخ والتلفيق

06 أبريل 2025 18:50

هوية بريس – د.رضوان العابدي

يعد مصطلح النسوية الإسلامية من المفاهيم التي أصبحت متداولة في العصر الحالي، وعند سماع هذا المصطلح لأول وهلة يتباذر إلى أذهاننا أنه مفهوم شرعي يستمد أصوله من الشريعة الإسلامية، غير أن الحقيقة غير ذلك، فهذا المفهوم ظاهره الرحمة وباطنه العذاب إذ المقصود منه إفراغ الإسلام من مضامينه الصحيحة لفتح الباب للأفكار الرأسمالية الليبرالية لكي تكون هي المنطلق الأساس في الدفاع عن المرأة وحقوقها تحت عباءة الإسلام.

وهذا ما يحاول الدكتور سامي عامري مناقشته في كتابه النسوية الإسلامية بين الانسلاخ والتلفيق، الذي نشرته دار رواسخ – الكويت سنة: 1444هـ-2023م في طبعته الثانية، والكتاب في جزء واحد، يقع في 176 صفحة، ويتكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.

بين المؤلف في مقدمة الكتاب الدواعي والأسباب التي دعته لتأليف الكتاب، وتتمثل في انتشار النسوية في العالم الإسلامي القائمة على اعتبار الرجل عدو، الأمر الذي تفردت به النسوية الراديكالية وربما شاركتها في ذلك النسوية الليبرالية، أما النسوية الاسلامية فهي قائمة على العدل منحازة إلى الشرع معلنة هويتها الإسلامية، كما يظهر من عنوانها، فهل النسوية الإسلامية تدافع عن حقوق المرأة من منطلق شرعي إسلامي صرف؟

تناول المؤلف في الفصل الأول مفهوم النسوية الإسلامية حيث عرفها –بعد تحليله لعدة تعريفات- “بأنها تيار فكري وحقوقي واجتماعي يقوم على إخضاع النصوص الشرعية، تأويلا (النص القرآني) وإثباتا وردا وتأويلا (النص الحديثي)، لآليات منهجية لا تراعي طبيعة النص المقدس، بعد إدانة الميراث العلمي السابق، ليوافق قيم العصر، خاصة الليبرالية، طلبا لتغيير وضعية المرأة في المنطقة، على تفاوت في مساحات التحريف بين أنصارها، فالمرجعية الإسلامية في القضايا النسوية عند هذا التيار شكلية في كثير من الأحيان”.

وبين أن هذا المصطلح ظهر في العقد التاسع من القرن العشرين الميلادي، فقد كتبت الكاتبة النسوية الإيرانية “فلنتابن مقدم” مقالة تحت عنوان: (ماهي النسوية المسلمة؟) محاولة التعريف بهذا التيار وتحديد أصله.

وتعد الكاتبة النسوية الإيرانية البارزة “أفسانة نجم آبادي” أول باحثة تستعمل مصطلح النسوية الإسلامية في مقالتها المشهورة بعنوان: (النسوية في جمهورية إيران الإسلامية: سنوات مشقة وسنوات نماء) لتتوالى بعد ذلك المقالات في الموضوع ذاته كتبها نسويات اسلاميات.

ومن أبرز النسويات الإسلاميات الكاتبة الإيرانية “زيبا مير حسني” التي دافعت بقوة على توافق النسوية والاسلام نافية وجود التعارض بينهما.

وفي الفترة نفسها ظهر تيار النسوية الإسلامية في العالم العربي على غرار ظهوره في إيران وأوربا وأمريكا، ورائدات هذا التيار “فاطمة المرنيسي” و”أسماء مرابط” التي كانت تكتب باللغة الفرنسية.

ونشطت النسوية الإسلامية في الساحة الفكرية في العالمين العربي والغربي، وبلاد أخرى إلى أن تم إنشاء الاتحاد النسائي الإسلامي العالمي سنة: 1416هـ-1996م، وعرف من أنصار هذا التيار كتاب رجال من أبرزهم محمد سعيد عشماوي ونصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور.

تطرق المؤلف كذلك إلى المسوغات التي أدت إلى نشأة النسوية الإسلامية، وتنطلق من رؤيتين هما الرؤية العالمانية والرؤية النسوية الإسلامية.

كما بين موقف النسوية العالمانية في العالم من النسوية الاسلامية، فيرى فريق من النسويات العالمانيات أن بروز هذه النظرة، فيه إثراء للفكر النسوي، ويتخذ الفريق الثاني موقف الرافض للنسوية الاسلامية باعتبارها رؤية هشة المقدمات ومفككة الجوهر، وخطيرة في مآلاتها، لذلك فقد وجهت لها مجموعة نقود شديدة، من منطلق رؤيتها المفاهيمية للإسلام والعالمانية وفصل المؤلف في مخالفة النسوية الاسلامية للإسلام من زاوية إسلامية من قبل التعسف في تأويل النصوص الشرعية بعيدا عن أصل دلالة الانحياز إلى منظومة القيم الغربية، كما لها مخالفات على مستوى الغاية من الوجود الانساني، وماهية الأنثى والقوامة وتربية الأبناء.

ليختم المؤلف هذا الفصل بالكلام عن البديل الشرعي للنسوية الإسلامية، وذلك بالانتصار للشريعة الإسلامية باستعادة أحكامها وأخلاقها التي تنظم حياة المرأة ابنة وزوجة، وأما وفردا من الرعية ضمن التابعية الإسلامية، العقدية والسياسية.

وتناول في الفصل الثاني حقيقة النسوية الانسلاخية معرفا إياها بأنها تقدم الإسلام حصانا خشبيا أجوف أمام حصن هذه الأمة، وفي جوف هذا الحصان ماكرون بالأمة، يترصدون الفرصة لفتح الأبواب لاختراقها واستلابها.

كما بين أصولها التصورية وهي الإيمان بعلو قيم العالمانية، ورفع شعار الدين لتمرير الأجندة العالمانية، والتلفيق العقدي والتحيز للمرأة على حساب الرجل وإنكار التمايز الجوهري بين الرجل والمرأة، وإنكار الثوابت.

تحدث كذلك عن أصولها الاجتهادية وهي تجاوز النص لتاريخانيته والتعامل مع التراث الحديثي بتجاهل تارة وانتقائية تارة أخرى، وإفساد أصول الفقه بالتبديد لا التجديد والهذر اللغوي، وتسليط مناهج قراءة النصوص البشرية على الوحي والاحتجاج بالتجربة التاريخية لفهم النصوص الشرعية.

ثم مثل المؤلف بنماذج من القضايا الشرعية التي خالفت فيها النسوية الانسلاخية الإجماع المتيقن ومصادمتها للمعلوم من الدين بالضرورة، وهي استحلال الشذوذ الجنسي ومحاربة الحجاب وتغيير أنصبة الإرث.

وتناول في الفصل الثالث النسوية التلفيقية حيث عرفها بأنها تيار قائم على أصول انسلاخية من خلال واجهة شرعية، ويغلب على طرحه غموض الخطاب، وضبابية المنهج، والتدليس في تناول القطعيات الشرعية، كما تحدث عن محفزات النسوية التلفيقية، بكونها تقدم نفسها بديلا عن النسوية العالمانية، محاولة السعي في اكتساب شرعية في الوسط الإسلامي باعتبارها ثمرة البيئة وحاضنتها الشرعية، وتتمثل وعود النسوية التلفيقية في تغيير الواقع والقوانين لصالح رؤية نسوية مصلحية جندرية بسلطان القانون، ورغم ذلك فشلت في أن تصنع لنفسها كينونة لها ملامح جادة وأصول ثابتة لها.

كما تحدث عن النقود الموجهة إلى النسوية التلفيقية من قبل مخالفيها من التيارات النسوية الأخرى، وهي تدور حول فشل النسوية التلفيقية في الوفاء للمشروع النسوي، وضعف بنائها الفكري، أما تيار الأصالة الإسلامية فيعارضها لأسباب شرعية وعلمية وجيهة، وأيضا لهشاشة بناءها المعرفي.

خلاصة القول فهذه قراءة موجزة لكتاب النسوية الإسلامية بين الانسلاخ والتلفيق، لمؤلفه الدكتور سامي عامري، الذي عالج فيه ما يصطلح عليه بالنسوية الإسلامية، معرفا إياها، ومبرزا نشأتها وتصوراتها وأصولها والانتقادات الموجهة إليها، ليصل في الأخير إلى أن النسوية الإسلامية ليست دعوة لإصلاح الواقع بالشريعة، وإنما هي دعوى لتحريف الشريعة للمحافظة على الواقع الرأسمالي الليبرالي.

غير أن الواقع يبين أن هذه النسوية ما هي إلا نسوية برغماتية انتهازية انتقائية، تأخذ من النسوية العالمانيىة ما يوافق هواها، ومن الإسلام ما يخدم مصلحتها، لذلك يمكن أن نطلقها عليها نسوية متأسلمة وليست إسلامية، وهو ما ذهب إليه فريق واسع من الكتاب والباحثين الشرعيين كما بين ذلك المؤلف نفسه.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
15°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
18°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة