حزب النور وخرق قواعد المنهج الرصين
محمد بوقنطار
هوية بريس – الأربعاء 17 يوليوز 2013م
السلفيون كما ألفيتهم وعرفت سعيهم أنهم قوم يفزعون إلى الدليل، فما من أمر صغير أو كبير من أمور الدين وكثير من أمور الدنيا إلا ولهم سلف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من صحبه الكرام، أو التابعين لهم بإحسان، وإن كنا بعد هذا نحب أن نستدرك منبهين على وجوب وضرورة الوقوف على حالة الانفكاك المحشورة بين السلفية كمنهج والسلفيون كملتزمين بهذا المنهج، فالمنهج معصوم بإذن الله والملتزمون خطاؤون وخير الخطائين التّوابون.
وحري بكل منصف متجرد أن تكون له وقفة كهذه، حتى تتحصل له ثمرة الرؤية الشرعية الصائبة والتي عماد صوابها “أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام”، ولعلها ثمرة تذوق طعمها أعلامنا النبلاء، فهذا الإمام بن القيم في مدارجه لما استدرك على صاحب المنازل وصوّب كلامه عن منزلتي الشكر والتوحيد قال: “شيخ الإسلام حبيب إلينا والحق أحب إلينا منه، وكل من عدا المعصوم صلى الله عليه وسلم فمأخوذ من قوله ومتروك” إلى أن قال: “ولولا أن حق الحق أوجب من حق الخلق لكان في الإمساك فسحة ومتسع”.
والسلفيون بمنطق كونية الخطأ، حين ينحنون لرياح المصالح الضيقة المتوهمة التي أفرزتها ظروف طارئة ونوازل جديدة، فيغردون بسلفيتهم منتقلين من طوباوية الغربة إلى واقع الإغراب، ومن ضيق القدرة والابتلاء إلى فسحة الحظوظ الدنيوية الفتّانة، فإن التاريخ يسجل عليهم قوادح الخطأ الجسيم، كالذي وقع فيه حزب النور السلفي في بلاد الكنانة.
إذ كيف لقوم عهدنا عليهم أنهم لا يقطعون واديا ولا يسلكون مسلكا إلا بعد استفراغ الجهد بكل ما ملكت أيمانهم واتسع له إمكانهم، أن يقفوا إلى جانب قوى الظلم والاستبداد من تركة الفلول.
نعم إننا لنعلم أن تجربة القوم مع لعبة الديموقراطية، هي تجربة فتية لم تختمر فكرتها بعد في الذهن السلفي، ومع علمنا هذا فقد يكون من غير الإنصاف والعدل أن نلقي بالأحكام الجاهزة المسبقة على الفعل السلفي، ونحن نرى كيف أنه يعيش راهنية تحول وتطور لا يزال في بدايته، لكن هذا لا يمنعنا من وصف حالة الخطأ ومسألة مجانبة الصواب الذي وقع فيه حزب النور السلفي.
ولعل نظرة سريعة إلى كلمة الدكتور ياسر برهامي أحد أعلام التيار السلفي التي حاول من خلالها تبرير وشرعنة هذا الميل الحائف، لكفيلة بالوقوف على الهامش الذي قطعه هذا الحزب مبتعدا كل البعد عن قلعة الدليل الحصينة، إذ جاءت التبريرات وتراوحت بين حقن الدماء المسلمة وهو أمر كذبته أحداث اليوم الموالي للانقلاب، وبين تعهد العسكر بعدم المساس بالشريعة وهو وعد تم نسفه على الفور، وذلك بإلغاء الدستور مؤقتا، وبين وصف كمّ الخروج الذي طالب بإسقاط الرئيس، وهو خروج كان في مقابله خروج أكبر وأكثر لمؤيدي الرئيس بشهادة كل حاضر وناظر، وبين حديثه عن الاستمساك بالشريعة وعدم التنازل عن خطها الأحمر.
ولست أدري على أي محمل يمكن حمل كلامه، أعن محمل النظر والاعتقاد وهو محمل لانشك في بقاء جذوته متقدة في نفوس القوم، أم على محمل التنزيل والعمل والتطبيق وهو أمر بات تطبيقه بل الكلام عنه من موبقات العلمانية السبع، التي أسس قواعدها خائن وعلماني وقبطي محلي وإقليمي صاحب مآرب، وبين ضرب المثال إذ استشهد الشيخ بحادثة مقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، وذكر كيف أنه تصدى لفكرة الدفاع عنه خشية إراقة الدماء، وهو قياس مع فوارق قد اتسع خرقها على راتق كل مصلح.
ذلك أن عثمان -رضي الله عنه- أمسك وقد ترجح عنده أن المسلمين لن يحكمهم وفي الأرض من الصحابة العدد الكثير وعلى رأسهم سيدنا علي رضي الله عنه إلا واحد ممن تربوا في كنف النبوة، ولم يصنعه عسكر ولا علماني ولا نصراني، وكذلك كان فقد آلت أمور الخلافة إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
وهكذا فمهما حاول البعض إلباس هذا الزيغ والالتباس وشاحا من الهدى لا يعبر عن كنهه وحقيقة أمره، فإن التعرية أمر لازم ملازم لكل خبيئة باطل.
ويبقى أن نقول أن السلفية في مصر سيل عرم، وتيار جارف، وهي ولله الحمد أكبر من أن يحجر واسعها حزب أو تكتل أو مجلس أو هيئة، ويشهد لهذا الكلام تعالي الكثير من الأصوات السلفية التي عبرت من خلالها وبها العديد من الهيئات العلمية والجماعات ومجالس شورى علماء السلفية عن مستوى عال ومتقدم من الرفض والإنكار والاستنكار، وهي أصوات تخللها جانب دعوي ذو جدوى وتأثير، كان ولا يزال يحذر من الانسراب والتماهي مع الخطأ، ويدعو إلى اهتبال الفرص لتدارك الخطأ قبل تقادم الأوان، ذلك أن من قواعد المنهج السلفي الرصين أن الرجوع إلى الحق واجب والتمادي مع الباطل بعد الفضح والبيان كبيرة عذرها أكبر والاستغفار من ذنبها أعسر.