احذروا من هذا النوع من المتحولين…

هوية بريس – محمد بوقنطار
لا تزال ظاهرة التحول التي يباغتنا بأطوارها أصحابها دون سابق إشعار، ولا سيرورة تدرج، تؤرقني وتحاصر تفكيري، أقلب في الأسباب والعلل والدوافع والمسوغات التي يمكن أن تكون وراء هذا الانتقال المجافي والمعادي المخاصم عطفه للمعطوف عليه بواو المغايرة، وكأنك عند حصول هذه الاستحالة أمام شخصين اثنين لا شخص واحد، فأرجع حائرا سادرا أخشى أن آخذ الناس بالظنة والرجم بالغيب.
ولا شك أنها ظاهرة يطبعها الغموض ويتغشاها الإبهام، فيبقى الله وحده ثم معشر المتحولين أعلم وأعرف بتفاصيل حدوثها ووقوع مأساتها…
ولطالما تناهى إلى سمعي، أو عشت وشهدت بترتيب من الله ملمحا من ملامح هذا التحول مع زيد أو عمرو، فأظل أنخل الخطاب الوعظي باحثا عن فحوى مضمون الموعظة، منقبا عن ماهية ذلك الواعظ في دوره الجديد.
فأما موضوعها فكثيرا ما جاء محبوكا وفيا لغرضه حفيا بالحاضرين، وأما عن الواعظ فما أكثر ما يسوق كلامه سوق المتوجس خيفة الحذر اليقظ، سيما إذا أرسل بصره وبانت له وجوه احتفظت بسنة إطلاق اللحى وحف الشوارب، فتراه يقدم تارة قدم لسانه ويقهقرها أخرى بين اغتنام خاطف واستعجال زائف، يرمي بالطعم ثم ما يفتأ مستدركا موجها مغلفا كلامه بتأويل من الوحي صحيح قد ساقه المتحول لنية في نفسه قضاها، ولا شك أن من خبر الخطاب الديني وابتلى فيه ملحظ التصنيف وكان من الحاضرين وقف على المشرب الصوفي للكلام الملقى، وعلى صوفية الضيف المتحول الملقي، ولو خاتل وراوغ ولبس ودلس بما لديه من رصيد بيان، وفصيح لغة، ومحفوظ متون، وهاهنا لفتة مفادها أنك عندما تسمع مثلا للمعتوه “فوزي الكركري” فإنك لا تكاد تسمع إلا خبط هبل وخبل وعباطة وسذاجة طافحة قد لا تحرك الرضيع من فراش مهده ولو توسد ثرى ورغاما، وذلك ديدن مدعي النبوات الجدد، وتلك سيرتهم كما بلونا تفاصيلها وسمعنا لشطحاتها ركزا وهمسا وصياحا…
وإذا كان شأن هؤلاء هو هذا وهكذا، فإن الأمر مختلف مع هؤلاء المتحولين الجدد، فسيرتهم المعرفية تختلف كثيرا وكثيرا عن أولئك الحمقى والمجانين، وتلك مأساة الناس مع خطابهم المستقطب ومع بضاعتهم المزجاة، ذلك أن بداياتهم المشرقة غير نهاياتهم المحرقة، فثمة الكثير من نماذج جنسهم ونوعهم، نماذج بدأت مسيرة الطلب في محاضن شيوخ أجلاء ربانيين جادوا وأفادوا ولقنوا وقذفوا في روع وأذهان ونواصي طلابهم رصيدا وجمهرة من المعارف في شتى الفنون العلمية من عقيدة وفقه وحديث وأصول وتفسير وعلم قراءات وذلك موروث النبوة والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا… حتى نالوا بها درجة من الإشباع ومنزلة من الإمتاع، بل والاقتناع من شيوخهم الذين أجازوهم وأشروا لهم بواجب الانخراط والتصدي والتقدم لثغر الدعوة إلى الله على بصيرة…
فلما حصل التحول وحل التغير، سافروا وهاجروا إلى أديرة الباطل بألسن فصيحة وأذهان ملأى ونواص قد أشبعت بما يرد الأبصار وينفذ إلى أفئدة الناس دون استئذان، ليمارس سطوته ويوظف إبهاره في سياق المهمة الجديدة المتمثلة في خدمة ما انتقلوا إليه من فكر موبوء، وسلوك مخروم، معتقدين أنهم أصابوا الحق، وأنه أخيرا واطأت ألسنة أفمامهم مدرج الصدق، ونالوا درجة الإحسان ولامست أفئدتهم ذوق محبة سيد الخلق على الصدق والتحقق، وإنما هو سراب لا ماء فيه، وإنما هي رهبانية لا ربانية، وإنما هو ابتداع لا اتباع، وإنما هو إحداث في دين الله بزيادة لم يأذن بها الشارع الحكيم، وما لم يكن أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام دينا فهو اليوم وقبله ليس بدين.
رفعت الأقلام وجفت الصحف.
فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ونعوذ بك من الزلل بعد رسوخ القدم، ومن الحور بعد الكور، ومن الخذلان بعد التوفيق، ومن صنيع الأخسرين أعمالا، آمين يا رب العالمين.



