ذاكرة اليوسفي وواقع الاتحاد: سؤال الوفاء والانحراف

30 مايو 2025 19:02

هوية بريس – سعيد الغماز

في مثل هذه الفترة من السنة، توفي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله، رجل الدولة الذي أضاء ذاكرة حزب انطفأت شعلته مع قيادته الحالية. كان ذلك يوم 29 ماي من سنة 2020. هي مناسبة لنسترجع جزءا من سيرة الرجل الذي لم يكتب سيرته الذاتية، رغم ما راكمه من تاريخ ونضال، نحتاجه لننسى ما آل إليه حزب القوات الشعبية في وقتنا الحاضر.

نستحضر سيرة رجل وطني، طبع بمداد المبادئ، التاريخ السياسي لبلادنا. رجل انتقل من الثورة والانقلاب على الحكم، إلى رئاسة الحكومة والمساهمة في تنمية البلاد.

نعيد عقارب الذاكرة إلى سنوات قليلة، لنتحدث باقتضاب شديد، عن أهم محطات مناضل وقيادي في حزب القوات الشعبية. وحسبنا في ذلك، استخلاص العبر لنرى واقع حال حزب الاتحاد الاشتراكي اليوم، بمنظار الماضي، وتاريخ أحد قيادييه المرحوم عبد الرحمان اليوسفي.

ولد عبد الرحمان اليوسفي يوم 8 مارس 1924 في مدينة طنجة، في أسرة متواضعة. نشأ في بيئة مفعمة بالحس الوطني، في ظل الاستعمار الفرنسي والإسباني، مما أثر بشكل مباشر في توجهاته الفكرية والسياسية. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مسقط رأسه، ثم انتقل لاحقًا إلى فرنسا حيث أكمل دراسته الجامعية في الحقوق والعلوم السياسية، وتخرّج كمحامٍ في باريس.

في شبابه، انخرط اليوسفي مبكرًا في النضال الوطني ضد الاستعمار، من خلال صفوف الحركة الوطنية، وكان من المؤسسين الأوائل لحزب الاستقلال سنة 1943، قبل أن يغادره لاحقًا بسبب الخلافات الداخلية. كان اليوسفي معروفًا بحسه القانوني والحقوقي، وهو ما دفعه إلى الدفاع عن المعتقلين السياسيين في فترات حرجة من تاريخ المغرب، خاصة خلال سنوات الرصاص.

انضم عبد الرحمان اليوسفي سنة 1959 إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الذي أصبح لاحقًا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، وكان أحد رموزه البارزين، خاصة بعد اغتيال المهدي بن بركة سنة 1965، حيث تولّى مسؤوليات قيادية عليا داخل الحزب.

تعرّض للمضايقات والملاحقات السياسية، واضطر إلى المنفى في فرنسا لمدة قاربت 15 سنة. خلال هذه الفترة، واصل نضاله الحقوقي والسياسي من باريس، حيث لعب دورًا بارزًا في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب على الساحة الدولية.

عاد إلى المغرب سنة 1980 بموجب عفو ملكي. بعد ذلك، عاد تدريجيًا إلى الساحة السياسية، وشارك في توحيد صفوف المعارضة. وكان أحد أبرز الوجوه في مفاوضات “التناوب التوافقي”، التي مهّدت لتحول سياسي كبير في المغرب.

في سنة 1998، عيّنه الملك الحسن الثاني رحمه الله وزيرًا أولًا على رأس أول حكومة “تناوب” في تاريخ المغرب، وهي حكومة ضمّت أطيافًا من المعارضة السابقة. اعتُبر تعيينه لحظة مفصلية في الانتقال الديمقراطي المغربي، حيث جسّد ما سُمّي بـ”الانتقال السلمي للسلطة بين الدولة والمعارضة”.

رغم صعوبة الظرف الاقتصادي والاجتماعي آنذاك، قاد اليوسفي حكومته بكثير من الحذر والواقعية، محاولًا تنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية، مع الحفاظ على التوازنات السياسية والمؤسساتية. وبعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله سنة 1999، استمر في منصبه بطلب من الملك محمد السادس إلى غاية 2002.

بعد انتخابات 2002، اعتبر اليوسفي أن المنهجية الديمقراطية لم تُحترم حين لم يُعيَّن الحزب الفائز في الانتخابات لرئاسة الحكومة، فاختار اعتزال السياسة وابتعد عن الأضواء، مسطرًا بذلك صفحة من الوفاء للمبادئ دون السعي وراء المناصب.

توفي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله يوم 29 ماي 2020 عن عمر ناهز 96 عامًا، مخلفًا وراءه إرثا من النضال الوطني، والتفاني في خدمة الوطن، واحترام المؤسسات.

ختاما نقول إن عبد الرحمان اليوسفي يُعد نموذجًا للسياسي النزيه، ورجل الدولة الذي ظل وفيًا لقيم الديمقراطية والعدالة، مؤمنًا بالحوار والتدرج كسبيل للتغيير. إنه مدرسة في تلقين الممارسة السياسية بقواعد المبادئ والنزاهة، بعيدا عن الانتهازية والفساد.

فهل ما زال حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يحتفظ بذاكرة عبد الرحمان اليوسفي؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار مدرسة اليوسفي قادرة على إعادة الحزب إلى منبعه وأصله؟

أم أن القيادة الحالية للاتحاد تنصلت من هذا التاريخ، واختارت أن تجعل من الحزب شبه مؤسسة للمناولة مع حزب آخر؟

وأخيرا هل نشهد الاتحاد الاشتراكي يصنع السياسة كما كان تاريخه مع المرحوم اليوسفي، عوض الارتماء في أحضان حزب آخر بحثا عن مناصب حكومية؟

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
14°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة