إدارة المقارنة في ضوء علم النفس الفطري

27 يونيو 2025 08:51

هوية بريس – د. الحضري لطفي

تقنية عجلة المقارنة

“عجلة المقارنة” هي تقنية تنبثق من مبادئ علم النفس الفطري، حيث تهدف إلى تمكين الإنسان من تحقيق التوازن الداخلي واستثمار فطرته السليمة في بناء ذاته بعيدًا عن التأثيرات السلبية للمقارنات المدمرة. علم النفس الفطري يُنمي في الإنسان وعيًا عميقًا بالنعم التي أنعم الله بها عليه، ويقوده إلى السعي لتحسين ذاته، دون أن يسقط في هاوية الجحود أو يتيه في دروب الضعف.

عجلة المقارنة” هي تقنية تساعد على تقييم الذات بشكل شامل ومتوازن من خلال مقارنة النفس بالآخرين في مجالات متعددة، مع الحرص على تجنب الوقوع في المقارنة السلبية أو المدمرة.

الفكرة الأساسية:

تقوم الفكرة على “تدوير المقارنة”، بمعنى أنه عند مقارنة نفسك بشخص ما في مجال معين، يجب أن تتذكر أنك قد تكون أفضل منه في مجال آخر. وبالتالي، لا ينبغي أن تحصر مقارنة نفسك بشخص ما في جانب واحد فقط، لأن ذلك قد يؤدي إلى الإحباط أو تقليل تقديرك لذاتك.

ندرك في علم النفس الفطري أن المقارنة عملية طبيعية مرتبطة بفطرة الإنسان التي تسعى للتطوير والتحسين. ولكن، إذا لم تُدار هذه المقارنة بحكمة، فقد تتحول إلى وسيلة للإحباط والتدمير الذاتي.
تقنية “عجلة المقارنة” تستند إلى الحديث الشريف: “انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم” سنن الترمذي. هذا الحديث يُبرز أهمية الموازنة في النظر إلى الآخرين، بحيث يحقق الإنسان شعورًا بالشكر لما لديه، مع التطلع إلى تحسين جوانبه الأخرى.
القاعدة الأساسية:

₋ لن تجد شخصًا أفضل منك في كل المجالات.

₋ لكنك أيضًا ستجد أشخاصًا أفضل منك في بعض المجالات.

لهذا، عليك أن تدرك أنك مميز في بعض الجوانب، … المفتاح هو التوازن والوعي بنقاط قوتك وضعفك.
كيف تعمل عجلة المقارنة من منظور فطري؟

₋ التنوع في الجوانب الفطرية: الإنسان مكون من أبعاد متعددة، مثل البعد الروحي، الجسمي، الأسري، الاجتماعي، والمالي. هذه التقنية تُبرز أهمية تقييم النفس عبر جميع هذه الأبعاد، مما يُعزز النظرة المتكاملة لحياة الإنسان.

₋ تجنب المقارنة الإبليسية: المقارنة الإبليسية هي التي تجعل الإنسان يركز على من هم أفضل منه فقط، مما يؤدي إلى الشعور بالدونية. علم النفس الفطري يعالج هذه المشكلة من خلال تدوير المقارنة على كافة الأبعاد، حيث يجد الإنسان مجالات يتميز فيها عن الآخرين، مما يعيد التوازن لنفسيته.

₋ تنشيط آليات الشكر الفطري: الفطرة تميل إلى الشكر والتقدير عند استشعار النعم. من خلال مقارنة النفس بمن هم أقل، يدرك الإنسان فضل الله عليه، مما يُشعل شعورًا بالشكر ويحفزه على تحسين ذاته بدلاً من الإحباط.

₋ تجنب المثالية المفرطة: الفطرة تتطلب الاعتراف بعدم الكمال؛ لا يوجد إنسان يتفوق في كل المجالات، وهذا الاعتراف يُخفف الضغط النفسي ويُعيد الإنسان إلى طبيعته المتزنة.

خطوات تطبيق التقنية:

₋ حدد الشخص والمجال: اختر شخصًا تقارنه بنفسك في مجال معين (مثل النجاح المهني أو العلاقات الاجتماعية).

₋ دوّر العجلة: قارن نفسك بالشخص نفسه في جميع المجالات الأخرى (مثل الصحة، الأسرة، الأخلاق، الروحانية، العبادات … إلخ). ستكتشف أنك قد تكون أفضل في بعض الجوانب.

₋ تحلَّ بالإنصاف مع الذات: لا تقارن نفسك بالأشخاص في أفضل جوانبهم فقط؛ انظر إلى الصورة الكاملة لكل شخص ولحياتك أيضًا.

₋ ركّز على نقاط التحسين: استلهم من الأشخاص الذين يتميزون في المجالات التي تحتاج إلى تطويرها، مع الحفاظ على تقديرك لنفسك فيما تتفوق فيه.

فوائد عجلة المقارنة:

₋ تعزيز الشكر والرضا: الإنسان الذي يشكر نعمة الله يشعر باتزان داخلي ويبتعد عن القلق الناتج عن المقارنات السلبية.

₋ تحقيق النمو المتوازن: التقنية تشجع على استثمار الفطرة في التطوير الشامل للحياة، دون تجاهل أي بُعد من الأبعاد الأساسية.

₋ إعادة بناء العلاقة مع النفس: المقارنة السليمة تُعلم الإنسان أن يوازن بين طموحه واحترامه لذاته، مما يعزز رؤيته الإيجابية لنفسه.

₋ التخلص من ضغوط المجتمع: في عصر تسوده المقارنات المفرطة، تُقدم عجلة المقارنة بُعدًا فطريًا يعيد للإنسان هدوءه النفسي وقدرته على التفكير بعقلانية بعيدًا عن الضغوط الخارجية.

الخلاصة:

تقنية “عجلة المقارنة” تعكس جوهر علم النفس الفطري الذي يسعى إلى إعادة الإنسان إلى طبيعته المتوازنة، حيث يكون الشكر والطموح عنصرين متكاملين. المقارنات إذا أُديرت بفطرة سليمة، تصبح وسيلة لتحفيز النمو الشخصي والروحي بدلاً من أن تكون مصدرًا للإحباط.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة