من يملك حق الفتوى؟ وما حدود وزير الأوقاف في الشأن الشرعي؟

هوية بريس – شريف السليماني
كثيرًا ما لاحظنا، خصوصًا في صفوف بعض الأئمة والدعاة المغاربة المقيمين في أوروبا، حالة دفاع مستميت عن وزارة الأوقاف ووزيرها، كلما وُجّه نقد لسياساتها أو اختياراتها، حتى في قضايا لا تحتمل المجاملة.
هذا الدفاع غالبًا لا يكون علميًا، ولا قائمًا على تقييم موضوعي، بل يُمارس كنوع من الولاء المطلق، وكأن الوزارة فوق النقاش، وكأن الوزير لا يُسأل.
والغريب أن كثيرًا من هؤلاء يشتغلون خارج المغرب، في بلدان لا تخضع فيها رواتبهم ولا مناصبهم لسلطة الوزارة، ومع ذلك لا يقبلون مجرد نقد يُوجه لها، بل يُهاجمون المنتقدين، ويبررون كل ما يصدر عنها، أحيانًا دون أن يفهموا تفاصيله.
فهل هو حرص على القرب من الوزارة؟ أم استمرار في عقلية الخضوع حتى في بيئة الحرية؟ أم مجرد تكرار لثقافة التبعية باسم “الاعتدال” أو “الحكمة”؟
وهنا يأتي السؤال الطبيعي:
كيف سيتصرف هؤلاء الآن، بعد أن صرّح وزير الأوقاف بأن القروض البنكية ليست بالضرورة ربوية؟
ألم يكونوا -هم أنفسهم- من يفْتون الناس بحرمة شراء البيوت عن طريق القروض الربوية؟
هل سيردّون اليوم على تصريح الوزير ويبيّنون خطأه؟
أم سيُعدّلون مواقفهم السابقة فقط لأن الوزير قال بخلافها؟
وإذا غيّروا فتواهم، فبناءً على ماذا؟ هل تغيّر الدليل؟ أم فقط تغيّرت الجهة التي تتكلم؟
أما عن تصريح الوزير نفسه، فقد جاء في 3 يوليو 2025، خلال مشاركته في المنتدى الـ23 للاستقرار المالي الإسلامي بالرباط، حيث قال بأن القروض البنكية ليست بالضرورة ربوية، واعتبر أن التعامل معها “مرهون بالتعاقد والتراضي”، مضيفًا أن هذا الموضوع لا يدخل في “التحريم التعبدي”، بل في “السياق التشريعي والعدالة الاجتماعية”.
لكن ما يلفت الانتباه أن هذا التصريح:
لم يُقدَّم بصفته فتوى مكتوبة مؤصلة صادرة عن المجلس العلمي الأعلى.
ولم يصدر عنه أي بيان شرعي رسمي.
بل جاء كلامًا شفهيًا في نشاط عمومي.
وهو ما يدفعنا إلى التساؤل المشروع:
هل يحق لوزير الأوقاف أن يخوض في نازلة فقهية من هذا الحجم؟
هل يتحدث باسم المجلس العلمي الأعلى؟ أم بصِفة شخصية؟
وما معنى أن ينهى غيره عن الإفتاء، ثم يُصدر هو نفسه حكمًا شرعيًا في قضية كبرى؟
هذا تجاوز واضح لحدود المسؤولية، وإرباك لمكانة المؤسسة العلمية، واختلال في توازن الأدوار بين التدبير الإداري والمرجعية الشرعية.
أنا لا أهاجم الأشخاص، بل أُمارس حقي -وواجبي- في النقد المسؤول، وأدعو فقط إلى أمر بسيط:
الفصل بين التدبير والإفتاء، وبين الولاء والمبدأ.



