“ربا البنوك”.. موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية يجيب برد ناري على أحمد التوفيق

06 يوليو 2025 22:05

هوية بريس – متابعات

أثار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور أحمد التوفيق موجة من الاستياء والجدل بعد تصريحه خلال افتتاح المنتدى الـ23 حول الاستقرار المالي للمؤسسات المالية الإسلامية بأن “الفائدة البنكية” لا تدخل في الربا المحرم شرعا.

وهو موقف أثار دهشة العديد من المهتمين والباحثين، بالنظر إلى تعارضه الصريح مع ما ورد في العدد 243 من مجلة “دعوة الحق”، الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي لازال الوزير على رأسها لأكثر من عشرين سنة.

حيث خصص ذات العدد، الذي صدر في ربيع الآخر 1405هـ/ديسمبر 1984م، لدراسة موضوع الفائدة المصرفية وأحكام الربا في الإسلام، وشارك فيه نخبة من العلماء والباحثين من العالم الإسلامي، وخلص إلى موقف واضح وصريح مفاده أن الفائدة البنكية، سواء كانت مرتبطة بالقروض الاستهلاكية أو الإنتاجية، تدخل ضمن الربا المحرم شرعًا دون خلاف معتبر.

ويُعد هذا العدد مرجعا علميا محكما وصادرا عن الجهة الرسمية المشرفة على الشأن الديني، مما يضعف الموقف السياسي الوزير الذي يتعارض وقول السادة العلماء في المجلس العلمي الأعلى وغيره من المؤسسات العلمية في ربوع العالم الإسلامي، ويُبرز التناقض بين التصريحات الأخيرة للتوفيق وما هو ثابت في المرجعية المؤسسية الفقهية للوزارة. الوصية على الشأن الديني بالمغرب

تنطلق مجلة “دعوة الحق” في العدد المشار إليه من قاعدة فقهية وأصولية راسخة، وهي أن الأحكام الشرعية لا تتغير بتغير الأسماء أو السياقات، ما لم يتغير مناط الحكم، أي علته المباشرة، وبناء على ذلك فإن تغيير اسم “الربا” إلى “فائدة” لا يُنتج أثرا شرعيا، لأن جوهر الفائدة البنكية هو الزيادة المشروطة على رأس المال، وهي عين ما حرمه الله تعالى في القرآن والسنة وإجماع الأمة.

كما تؤكد البحوث أن المقصود بالربا المحرم في قوله تعالى: ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ هو الزيادة المشروطة في القرض، سواء أكان استهلاكيا أم إنتاجيا، وسواء أكان القرض موجها لشخص أم لمؤسسة، فردا أم دولة، إذ لا عبرة بالغرض طالما تحقق الوصف المحرّم، وهو الزيادة المشروطة مقابل الزمن.

العدد المذكور من المجلة يستعرض بتفصيل شديد أن الفائدة البنكية، كما تُمَارس في المصارف الحديثة، ما هي إلا ربا الجاهلية بعينه، حيث تُعطى القروض مع اشتراط الزيادة، ولا يدخل المقرض في أي مخاطرة، بل يضمن حقه كاملا مع فائض مالي محدد سلفا، سواء ربح المقترض أو خسر، وهذه الصيغة تخالف جوهر العدل في الشريعة الإسلامية الذي يجعل الغُنم بالغُرم، أي أن من يربح يجب أن يكون قد تعرض لاحتمال الخسارة، وهو ما لا يتوافر في الفائدة البنكية، التي تحقق لصاحب المال الربح بدون جهد ولا مخاطرة، وتعاقب المحتاج أو المستثمر بمزيد من الدين، مما يجعل النظام المالي مبنيا على الاستغلال والاحتكار، لا على التعاون والتكافل.

وقد نبه الباحثون إلى أن الشبهة التي أثيرت في العصر الحديث، وهي القول بأن القروض الإنتاجية لا تُعد من الربا لأنها موجهة للنمو، شبهة باطلة، لأن الشريعة لم تفرق بين أنواع القروض، بل فرّقت بين القرض والمعاملة المشروعة مثل البيع، والمضاربة، والشركة، والمساقاة، ونحوها من صيغ الاستثمار الشرعي القائمة على المشاركة في الربح والخسارة، أما القرض فحقيقته الإرفاق، وليس الاستثمار.

ومن جهة أخرى، أبرزت المجلة بالأدلة العقلية والنقلية فساد التعليلات التي يوردها المبيحون للفائدة، فبعضهم يقول إن الزمن له ثمن، وهذا مردود بأن الزمن ليس مالا، ولا يصح بيعه، كما أن المال لا يلد المال إلا بالعمل والتصرف، وليس بحبسه مقابل زيادة.

وبعضهم قال إن الفائدة هي تعويض عن التضخم، فكان الرد بأن الشريعة لا تجيز المعاوضة بين الأموال إلا في حالتي البيع والمشاركة، أما القرض فهو إرفاق، ولا يمكن جعله مجالا للربح إلا إذا تلبس بصفة تجارية، فيصبح حينها من العقود الأخرى كالمرابحة والمضاربة، وهي عقود لها ضوابطها التي لا تسمح بضمان الربح دون احتمال الخسارة.

وبعضهم قال إن الفائدة ضرورية لتسيير النظام البنكي، فردّت المجلة على هذا بقولها إن الضرورة تقدر بقدرها، ولا تبيح المحرمات إلا في حال الاضطرار الحقيقي المؤدي للهلاك أو الضرر البالغ، كما أن الضرورة لا يمكن أن تتحول إلى أصل، بل يُطلب تجاوزها بالتدرج لا تكريسها باسم الواقع.

وقد نقلت المجلة آراء كبار العلماء والاقتصاديين المسلمين، مثل الدكتور محمد باقر الصدر، والشيخ أبو زهرة، والمودودي، والدكتور عيسى عبده، الذين أجمعوا على أن الفائدة لا يمكن تبريرها شرعا مهما اختلفت المسميات أو تغيرت السياقات، وأكدوا أن الإسلام لا يعرف نظام الدَّين الربوي، بل يدعو إلى نظام اقتصادي قائم على تقاسم المخاطر والمنافع، وهو ما يتحقق في صيغ التمويل الإسلامي مثل المشاركة، والمضاربة، والإجارة، والبيع الآجل، وغيرها من العقود التي تجمع بين مراعاة المصلحة وتحقيق العدالة.

كما نبهوا إلى أن الفائدة تكرّس الظلم، لأنها تضمن الربح لأحد الطرفين مهما كانت نتيجة النشاط الاقتصادي، وهو ما يعمّق الفوارق الاجتماعية، ويجعل المال دُولة بين الأغنياء، ويهدم المقاصد العليا للشريعة في تحقيق العدل والتكافل والتوازن.

ويُعد هذا العدد من مجلة دعوة الحق وثيقة فقهية رسمية ذات مصداقية خاصة، لأنه صادر عن الجهة نفسها التي يشرف عليها الوزير، ويُمثل الموقف الأصيل لعلماء المغرب الذين أسهموا عبر قرون في بلورة الفقه المالكي المعتدل، وهو ما يجعل تصريحات الوزير خارجة عن الخط العلمي للمؤسسة، وتتناقض مع ما أصدرته بنفسها من مواد علمية معتبرة، مما يثير التساؤلات حول الخلفيات والمقاصد وراء إصرار الوزير على رفع الحرمة عن “الفوائد البنكية”.

 وقد أشار بعض العلماء في المجلة إلى أن محاولات تبرير الفائدة كانت وما تزال مدفوعة بضغوط دولية ومصالح اقتصادية، لكنها لا تصمد أمام التحقيق العلمي، ولا أمام إجماع الأمة الذي ظل قائما على حرمة الربا بكل أشكاله، وأن أي تأويل يخرج عن هذا الإجماع لا يُعتد به، ولو صدر عن مسؤول رسمي، لأنه مخالف لما استقر عليه علم الأصول والفقه.

خلاصة القول أن ما ورد في مجلة دعوة الحق العدد 243 هو تفنيد علمي شامل لكل المبررات التي يُبنى عليها القول بإباحة الفائدة، وهو تأكيد رسمي من وزارة الأوقاف، عبر مجلتها العلمية، أن الفائدة البنكية تدخل في الربا المحرم بلا خلاف معتبر، وأن أي قول بخلاف ذلك يُعد شذوذا علميا لا يُعوّل عليه، خاصة إذا صدر من غير المختصين أو من أشخاص في مواقع المسؤولية يحاولون مواءمة الأحكام الشرعية مع مقتضيات النظام المالي العالمي دون مراعاة لثوابت الشريعة ومقاصدها.

إن ما صدر عن الوزير أحمد التوفيق من تلميحات بإباحة الفائدة يتناقض بشكل صريح مع ما نشرته وزارته في هذا العدد العلمي المرجعي، مما يدعو إلى إعادة ضبط الخطاب الديني الرسمي على ضوء المقررات العلمية المعتمدة، وتنزيه المنابر الرسمية عن التأويلات المتهافتة التي تسيء إلى مكانة الشريعة وثقة الناس في علمائها ومؤسساتها.

تجدر الإشارة إلى أن العلامة المغربي الدكتور محمد تاويل رحمه الله، سبق وألف حول هذا الموضوع كتابا مهما، وكأنه قد استشرف من خلاله الواقع الذي نعيشه اليوم، والنقاشات التي تثار بين الفينة والأخرى من لدن بعض السياسيين والحداثيين، فكان عنوان مؤلفه المفيد والنافع: “وأخيرا وقعت الواقعة وأبيح الربا: الفوائد البنكية“.

 

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق


حالة الطقس
15°
16°
السبت
16°
أحد
16°
الإثنين
17°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة