فتاة مغربية تعرض نفسها على “يوتيوبر كوري”.. هؤلاء هم من يتحملون المسؤولية

فتاة مغربية تعرض نفسها على “يوتيوبر كوري”.. هؤلاء من يتحمل المسؤولية
هوية بريس – متابعات
أثار فيديو صادم ظهر فيه “يوتيوبر” كوري مبتدئ، وهو يوثق لحظة طلب فتاة مغربية قاصر الزواج منه، موجة من الغضب والسخرية في الفضاء الرقمي المغربي. فتاة في السادسة عشرة من عمرها، محجبة، تتحدث باندفاع عن رغبتها في الانتقال إلى كوريا، وتُثني على الكوريين في مقابل ذمّها للرجال المغاربة، فقط من أجل كسب إعجاب سائح!
قد يبدو للبعض أن ما حدث مجرد تصرف عابر، أو نزوة مراهقة مغرمة بالثقافة الكورية، لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. إننا أمام صورة مصغرة لأزمة أخلاقية وثقافية وتربوية أعمق، تتجاوز هذه الفتاة إلى واقع جيل بأكمله، أصبح يعيش على إيقاع التفاهة والانبهار بالآخر، دون وعي ولا هوية.
لنكن واضحين؛ فما قامت به الفتاة لا يليق بفتاة مغربية مسلمة، لا في ظاهرها ولا في باطنها. لا في سنّها ولا في حيائها. ولا يمكن تبريره تحت ذريعة “الحرية” أو “الجرأة”. لأن ما حدث ليس تعبيرًا عن انفتاح أو وعي، بل تجسيد حيّ لأزمة هوية وحياء وتربية وانتماء.
الحياء، الذي هو كما قال ابن القيم في مدارج السالكين “مشتق من الحياة”، غاب تماما عن هذا المشهد. وغاب معه الحياء من النفس، ومن المجتمع، ومن الله. والمفارقة المؤلمة أن الفتاة بدت عليها مظاهر التدين، مما يعكس مرة أخرى التناقض الصارخ بين المظهر والجوهر، بين ما نرتديه وما نؤمن به فعلاً.
ما وقع ليس حالة شاذة. بل نتيجة واضحة لمنظومة إعلامية وتربوية أغفلت بناء الوعي والهوية، وسمحت بثقافات هجينة تخترق عقول الناشئة دون حسيب ولا رقيب. فتاة نشأت على الدراما الكورية بالقنوات الوطنية، واستقبال فرقة “BTS” بمهرجان موازين، ومسلسلات يوتيوب والنيتفليكس، و”فلوغات” السوشيال ميديا، فصارت ترى في الغريب حلما ونموذجا أعلى، وفي ابن وطنها عبئا ينبغي الهروب منه!
بل الأكثر مرارة أنها بدأت تنتقد المغاربة أنفسهم أمام الأجنبي لتنال رضاه، في موقف أقرب إلى جلد الذات والاستجداء العاطفي باسم “الحب” أو “الحلم”.
ويبقى السؤال المطروح ليس: لماذا فعلت هذه الفتاة ذلك؟ بل:
لماذا لا تفعل ذلك؟
مَن علّمها غير ذلك؟
أين الأسرة من التوجيه؟
أين المدرسة من بناء القيم؟
أين الإعلام من تقديم نماذج ملهمة؟
أين القدوة في زمن “الفلوقر” و”اليوتيوبر” و”التيكتوكر”؟
الجواب مرّ، لكنه واضح: نحن نُنتج هذا النوع من السلوك كل يوم، حين نُهمّش الأخلاق، ونُشيطن الدين، ونُروّج التفاهة، ونُفسح المجال للثقافات الغازية لتغزو العقول والقلوب دون مقاومة.
وبعيدا عن التنمر؛ فما حدث يجب أن يكون منبّها لنا جميعا. هذه الفتاة، بكل أخطائها، ليست المشكلة، بل هي الضحية الأولى. ضحية فراغ داخلي، وانبهار خارجي، وغياب مشروع حقيقي لبناء إنسان مغربي يعتز بدينه وهويته وتاريخه.
لا معنى لتنمّر البعض على الفتاة، ولا لمجرد الشفقة عليها. المعنى الحقيقي أن نُعيد طرح السؤال:
أي فتاة وامرأة مغربية نريد؟
وأي مغربي نُربي؟
وأي جيل نُحضّر للمستقبل؟
وعن أية خصوصية نتحدث اليوم؟
قبل أن نلوم فتاة قاصرة طلبت الزواج من غير مسلم أجنبي، علينا أن نلوم المنظومة التي علّمتها أن الحياء “تخلّف”، وأن الجرأة “تحرر”، وأن الانبهار بالآخر “نجاح”، وعلينا أن نتذكر ما كانت تكتبه كثير من المجلات والجرائد، ومن ضمنها الأحداث حين نشرت “مضى إلى غير رجعة ذلك الزمن الذي كانت فيه الحرة الغبية تجوع ولا تأكل بثديها، وحل مكانه زمن لا ينبغي للحرة “القافزة” أن تجوع أمام إمكانية التوفر على سيارة فخمة ومنزل راق ورصيد محترم في البنك، فقط بالقيام باللعبة الرياضية المدرسية، دون أن ندرك أنها كانت تهيء عددا كبيرا من زميلاتها التلميذات للتعود عليها وجعلها مهنة في القادم من الأيام” (لغزيوي، الأحداث: ع3807، 11/09/2009).
فحين يغيب الحياء، لا يبقى للفتاة إلا جسد تُروّج به، وكلمات تستجدي بها الحب، وانتماءٌ مكسور. وحين نُهمّش التربية، ونُشيطن القيم، ونفتح الأبواب لريح العلمانية واللادينية والمادية الصرفة، فعلينا أن ننتظر العاصفة.
وها هي العاصفة قد بدأت والقابل لا يبشر بخير..



