دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعا

دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعا
هوية بريس – أحمد الشقيري الديني
عنوان هذا المقال جزء من حديث نبوي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( عذبت امرأة في هرة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) متفق عليه.
وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى تلك المرأة في صلاة الكسوف حيث قال : (.. ودنت مني النار ، فإذا امرأة تخدشها هرة ، قلت : ما شأن هذه ؟ ، قالوا : حبستها حتى ماتت جوعا ، لا أطعمتها ، ولا أرسلتها تأكل).
فإذا كانت هذه العقوبة الشديدة بسبب هرة فكيف لو كانت في حق آدمي الذي كرمه الله على سائر خلقه وأسجد لأبيه آدم ملائكة قدسه تشريفا وتعظيما؟!
ثم كيف يكون حال من حاصر شعبا بأكمله ومنع عنه الأكل والشراب والدواء حتى تساقط أفراده من الجوع؟!
فكما للعمل الصالح سلف صالح، أيضا للعمل السيء الإجرامي سلف في تراثنا..
إن من ضرب الحصار على أهل غزة ومنعهم الطعام والشراب والدواء حسابه أشد تنكيلا من صاحبة الهرة، وكل من أعان على حصارهم فهو في حكم المباشر للجريمة، فإذا كان مسلما جارا لهم فعقوبته أشد لأنه ضيع حق الأخوة في الدين وحق الجوار..!
إن ما يعانيه أهلنا في غزة المحاصرة حتى اضطرهم الجوع لأكل أوراق الشجر هو ما عاناه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في شعب مكة لما حاصره كفار قريش هو والمؤمنون معه وأيضاً عشيرته التي تضامنت معه حتى من لم يؤمن منهم برسالته.
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: (لما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة.. فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم؛ إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجهد..
ثم أطلع الله رسوله على أمر صحيفتهم وأنه أرسل إليها الأرضة(حشرة) فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم؛ إلا ذكر الله عز وجل، فأخبر بذلك عمه فخرج إليهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم أن ابن أخيه قال كذا وكذا، فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقا رجعتم عن ظلمنا، قالوا: أنصفت..
فأنزلوا الصحيفة فلما رأوا الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا وعنادا… وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب).
لقد حاصرت وقاطعت قريش النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه، ومنعت عنهم الطعام والشراب وكل ما يحتاجونه، فاشتد وعظم الأمر عليهم فأكلوا أوراق الشجر، وكل شيء رطب، وكان صياح الصبيان يسمع من وراء الشعب ( الوادي ) من شدة الجوع والمخمصة، قال سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ: ” كنا قوما يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا بذلك وصبرنا له ومرنا عليه، ولقد رأيتني مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة (صوت) شيء تحت بولي، فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم استففتها وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثا “.
وقال عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ: ” فحصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة ( الطعام ) حتى أن الرجل منا ليخرج بالنفقة فما يبايع حتى يرجع، حتى هلك منا من هلك “!
فكما لأهل غزة في صبرهم وبلائهم سلف صالح، كذلك لمن حاصرهم سلف طالح مجرم سيلقى مصير صاحبة الهرة ومصير كفار قريش إن هو لم يتب إلى الله ويرفع هذا الحصار الجائر..
وحسبنا الله ونعم الوكيل..



