والعاقبة للمتقين

26 يوليو 2025 13:23

والعاقبة للمتقين

هوية بريس – إبراهيم بومفروق

إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش في أدنى دركات ضعفها وذلها وهوانها، فقد أصبح الدم الذي لا قيمة له هدرا وسفكا في العالم هو دم المسلم ، و انكشف للبشرية جميعا حقيقة الغرب الذي يرفع شعار حقوق الإنسان واحترام المواثيق و الالتزام بالاتفاقيات الدولية و يلبس ثياب الرفق بالحيوان والتضحية من أجل الإنسان ، أو أنه مجتمع المدينة الفاضلة كما يصورها أفلاطون…، والحقيقة التي ظهرت عيانا لكل إنسان؛ أنهم من أخس البشر و أنذلهم ، لا إحساس لضمائرهم و لا حركة في أفعالهم، فلا تسمع لهم ركزا، بل بلغت بهم حقارتهم ونذالتهم وخستهم ووحشيتهم أنهم منعوا إدخال الطعام للأطفال والنساء من الفقراء والضعفاء حتى مات الناس من شدة الجوع، و أصبحت الصورة اليوم أعظم حجة قائمة على البشرية جميعا.

لكن في وسط هذا الظلام الدامس المنتشر في هذا البحر العامر بالظلم والذي تغشاه أمواج متلاطمة بعضها فوق بعض، وتصدر أصواتا مليئة ببكاء الرضع وأنين الأطفال وصرخات اليتامى و آهات التكالى وزفرات الشيوخ…،ومع كل ذلك فإن نوراً خافتاً يسطع من بعيد في أعماق بحار الموت والظلم والجور والقهر والاستبداد و لا يراه كثير من المشاهدين لحال إخواننا في غزة ، *قال تعالى: ” وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) ” سورة الصف*
و هذا النور بإذن الله تعالى: ” *لعل الأمة تتهيأ لأمر عظيم**”

*وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في ظل الظروف القاهرة والمحن القاسية يبشر أصحابه رضي اللّه عنهم ، فها هو عليه الصلاة والسلام حينما عرضت للصحابة صخرة عظيمة شديدة أثناء حفرهم للخندق في غزوة الأحزاب، صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فلما رآها أخذ المعول وقال: “بسم الله” وضرب ضربة فكسر ثلثها.
وقال: “الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله” ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، فقال: “الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض”.
ثم ضرب الثالثة فقال: “بسم الله” فقطع بقية الحجر، فقال: “الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إنى لأبصر أبواب صنعاء من مكانى الساعة”

صحيح أن سنن النصر والتمكين لا تتحقق إلا بشروطها، *لكن إرهاصاتها وبذورها بدأت تتجذر عروقها في أعماق القلوب، فكلما ازدادت الآلام في الأبدان و الزلازل في القلوب و الابتلاءات في النفوس ،كلما كان ذلك سببا في عودة عدد من المسلمين إلى ربهم بافتقارهم وتذللهم وانكسارهم وتمسكهم بدينهم و شدة حرصهم على اتباع نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.*

وهذا الأمر في حقيقته خاص بمن ابتلاهم الله وهم إخواننا في غزة وقد يكون عامّاً في الأقرب فالأقرب.

*قال تعالى : ” قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ” سورة الأعراف الآية 128*

قال محمد سيد الطنطاوي في التفسير الوسيط: ” قال موسى لقومه على سبيل التشجيع والتسلية حين ضجوا وارتعبوا من تهديدات فرعون وملئه: يا قوم استعينوا بالله في كل أموركم. واصبروا على البلاء، فهذه الأرض ليست ملكا لفرعون وملئه، وإنما هي ملك لله رب للعالمين، وهو- سبحانه- يورثها لمن يشاء من عباده، *وقد جرت سنته- سبحانه- أن يجعل العاقبة الطيبة لمن يخشاه ولا يخشى أحدا سواه* ” ج 5 ص 354

*والرجاء في الله أن الأمة اليوم تُصنع على عين من الله تعالى، لتحقق النصر في الغد القريب بإذنه سبحانه ،ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ويشف صدور قوم مؤمنين* *قال تعالى: ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”سورة الرعد* الآية 11

حتى إذا ارتقت الأمة بإخلاصها لربها في منازل الإيمان و امتزجت عروقهما ودماؤها بمعاني القرآن و تحققت عبوديتها لربها بحقائق الصلاة و صبرت على أقدار الله المؤلمة و أصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلوكا اجتماعيا طبيعيا، حينئذ يأذن الله تعالى بنصره لعباده المتقين .

*قال تعالى: ” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ” سورة محمد* الآية 7

قال محمد سيد الطنطاوي في التفسير الوسيط : ” والمراد بنصر المؤمنين لله- تعالى- نصرهم لدينه، بأن يستقيموا على أمره ويتبعوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه.
والمعنى: يا من آمنتم بالله- تعالى- حق الإيمان، إن تنصروا دين الله- عز وجل- وتتبعوا رسوله، يَنْصُرْكُمْ- سبحانه- على أعدائكم وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ عند قتالكم إياهم ويوفقكم بعد ذلك للثبات على دينه، والشكر على نعمه.” ج 13 ص 225

اليوم وفي كل لحظة، أجساد إخواننا تتمزق أشلاء و بطونهم تتقطع من شدة الجوع ليصطفي الله منهم شهداء ، وفي الحديث الذي أخرجه الإمام الترمذي بسند صحيح ،عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”
*للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه”*

لكن مع هذا البلاء العظيم القاتم في بحار الدماء وزلازل الابتلاء *، فإن الأرواح ترتشف فيه من نور القرآن ومحراب السجود بين يدي الرحمن ، فأبشروا يا أمة الإسلام وكونوا ممن يستقيم على شرع الله تعالى و يتمسك بسنة النبي العدنان عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ،ولا تنسو إخوانكم من دعائكم وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.*

فاللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاته العلى أن تجعلنا ممن يستقيم على شرعك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم كن مع إخواننا في غزة ، اللهم انصرهم نصرا عزيزا مؤزرا تعز به الدين وترفع به راية الإسلام والمسلمين ،اللهم اشف مرضاهم وداو جرحاهم وتقبل شهداءهم وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، اللهم عليك بالصهاينة المجرمين الظالمين ، اللهم زلزل الأرض من تحتهم و أهلكهم كما أهلكت عادا وثمود.

*وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، و اعلموا يقينا أن العاقبة للمتقين، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.*

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
19°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة