شارع المكسيك بطنجة… بين متطلبات العيش وضرورات التّنظيم

31 يوليو 2025 01:37

هوية بريس – د.وصفي بوعزاتي

في قلب طنجة، يشهد شارع المكسيك حركة دائمة لا تهدأ، تختلط فيها مصالح الساكنة، بنشاط الزوار، وحيوية التجار. شارع تاريخي لا ينام، لكنه اليوم يعيش ضغطًا حضريًا متصاعدًا، يفرض علينا إعادة التفكير الجماعي في صيغ تدبيره وتنظيمه، دون أن يُفهم ذلك على أنه صراع بين أطراف، أو غلبة لمصلحة على أخرى.

السلطة المحلية، وعلى عكس ما يُروّج له أحيانًا، ليست طرفًا في هذا التعقيد، بل تجد نفسها يوميًا في موقع من يسعى إلى إنتاج الحلول، وتجريب الأفضل من تجارب العالم، ومحاولة تنزيله وفق خصوصيات المدينة والشارع والناس.

ومن بين هذه الحلول، اختارت سلطات طنجة استعمال أعمدة قابلة للسحب، تُفتح فقط خلال ساعات التّسليم المبرمجة، وتُغلق باقي الوقت أمام المركبات، في خطوة تهدف إلى الموازنة بين انسيابية المرور، وحماية الراجلين، وتنظيم النشاط التجاري دون تضييق على أحد. وهو خيار حضري متقدم، يُعبّر عن تحول في عقلية التدبير، واقتراب أكبر من المعايير الدولية في التعامل مع الشوارع النشطة.

وقد أثبتت هذه التجربة نجاعتها في عدد من المدن الأوروبية الرائدة، حيث اعتمدت بروكسيل (بلجيكا) أعمدة هيدروليكية ذكية في مناطق المشاة وسط المدينة لتنظيم أوقات الدخول والخروج، كما طبّقت مدينة ليون الفرنسية وأمستردام الهولندية نفس النموذج في أحيائها السياحية والأسواق العتيقة، بل ذهبت بعض المدن مثل برشلونة الإسبانية وأوسلو النرويجية إلى أبعد من ذلك، عبر تحويل مراكزها الحضرية إلى مناطق خالية من السيارات خارج أوقات محددة، حمايةً للفضاء العام.

لكن، لا يمكن الحديث عن تنظيم دون الإشارة إلى معضلة أصبحت تُثقل هذا الشارع أكثر: احتلال الأرصفة من طرف الباعة المتجولين أو ما يُعرف بـ”الفراشة”. هؤلاء يستغلون الأرصفة بشكل غير مشروع، مما يُضيّق على الساكنة والمارة، ويُربك حركة الزوار، ويزيد من معاناة التجار النظاميين. فكيف يمكن إقناع الناس بحلول حضرية عقلانية، إذا بقي الفضاء العمومي مُحتلًا بشكل فوضوي؟

إن تنظيم شارع المكسيك لا يعني فقط إعادة هيكلة المرور أو توقيت دخول السيارات، بل يتطلب رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار مبدأ العدالة في استعمال الفضاء، وحق الجميع في مدينة منظمة وآمنة ومنصفة. لا أحد يُنكر أن جزءًا من هؤلاء الباعة يشتغل من باب الحاجة، لكن الحاجة لا تبرر الفوضى، ولا يجب أن تُنتج حيفًا جديدًا في حق سكان الشارع، أو ضد التجار الذين يدفعون الضرائب ويلتزمون بالقانون.

طنجة اليوم لا تتراجع، بل تتقدم وتتأقلم وتُبدع الحلول. هذا الشارع لم يعد يحتمل المزيد من “التسييب” ولا من “التسييس”، بل يحتاج إلى إرادة جماعية تنحاز للنظام، وتُؤمن بأن المدن لا تُدار بالانفعال، بل بالحكمة، والتّخطيط، والتّشارك.

قد يكون الحل في تخصيص أماكن بديلة ومنظمة للباعة المتجولين، مع منحهم صفة قانونية تحفظ كرامتهم وتدمجهم في النسيج الاقتصادي، لكن دون أن يُمسّ حق الساكنة في الراحة، وحق الراجلين في الأرصفة، وحق الزوار في التنقل، وحق التجار في النشاط الحر.

إننا أمام فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار للشارع، ليس فقط كمجال مادي، بل كرمز حضري وثقافي يجب أن نعززه بالتنظيم، لا أن نتركه أسير فوضى الاستغلال غير المشروع أو تأويلات مغلوطة لما يجري.

فلنمنح طنجة ما تستحقه: تنظيم عادل، تدبير متوازن، وشوارع تُعبّر عن وعي المدينة، لا عن هشاشتها.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
11°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة