حول توحيد خطبة الجمعة: بعض ما يجب أن يُقال بصراحة

02 أغسطس 2025 18:32

هوية بريس – شريف السليماني

من ضاق به المسجد، وسّعه له الفيسبوك…

هذا هو واقع الخطباء اليوم، حين يُفرض عليهم أن يتكلموا بما لا يشعرون، ويُقصى من خالف ورقة مطبوعة.

في هذه التدوينة، أضع بين أيديكم ما أراه بصراحة حول مشروع “توحيد خطبة الجمعة“، بعيدًا عن المجاملة، وقريبًا من الواقع.

وكما قلتُ سابقًا وما زلت أقول، فإن توحيد خطبة الجمعة في المغرب، كما تسير عليه الوزارة، له سلبيات عميقة لا يمكن إغفالها، مهما حسُنت النيّة في تسميته “تسديدًا للتبليغ”.

فالخطباء الأكفاء، المجتهدون، الذين اعتادوا إعداد خطبهم بأنفسهم، والتفاعل مع موضوعاتهم بروحٍ وصدق، سيتحوّلون إلى “قرّاء ورق”، يرددون خطبة قد نُشرت يوم الأربعاء على موقع رسمي، لا تعبّر عنهم، ولا عن واقع الناس، ولا عن مشاعرهم.
وهكذا يفقدون الحماسة والتأثير، ويفقد المنبر هيبته.

ثم إن هذا التوحيد دفع ويَدفع الكثيرين إلى ترك الخطابة، لا لقصورٍ في علمهم أو أدائهم، بل لأنهم لم يعودوا يرون جدوى روحية في خطبة لا تصدر عنهم ولا تلامس وجدانهم.

وما هو أخطر، أن بعض هؤلاء الخطباء لم ينسحبوا طوعًا، بل طالتهم قرارات عزل أو توقيف، فقط لأنهم خالفوا نموذج الخطبة الجاهزة، أو تجرؤوا على قول كلمة نابعة من نبض واقعهم.

لكن هل سيصمتون؟

لا أظن.

فالذين ضاق بهم المسجد، احتضنتهم الشاشات، وشعّ صوتهم في الفيسبوك، وتردد صداه في اليوتيوب، وانتشر حضورهم في منصات أخرى لا سلطان لأحد عليها.

الخطيب الذي كان يُخاطب المئات من فوق المنبر، بات مقاله يُقرأ من الآلاف، وصوته يُسمع بلا وساطة، ولا رقابة، ولا قرار وزاري.

وهنا أتساءل:

ما الفائدة إذًا؟

ما جدوى هذا المشروع الذي يطمح إلى “تسديد التبليغ”، إذا كان الناس قد بدأوا يفقدون الثقة في الخطبة الرسمية؟

إذا كان الجمهور نفسه صار يبحث عن صوت صادق في فضاء آخر؟

هل نحاصر التبليغ أم نصقله؟

هل نكمّمه أم نُؤهله؟

هل نخنق الصدق ونُطلق الشكليات؟

الفرق بين الضبط والتحكم

نحن نُدرك أن منابر الجمعة تحتاج إلى ضبط، ولكن الضبط شيء، والتحكم شيء آخر.

الضبط يكون بوضع أُطر عامة، وبالتكوين المستمر، وبالثقة في أهل الكفاءة والعلم.

أما التحكم، حين يصبح توجيهًا مركزيًا مغلقًا، فإنه يُطفئ الإبداع، ويحوّل المنبر من محراب حيّ إلى منصة ميتة.

وقد علّمنا القرآن أن التبليغ لا يكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة… لا بالقصّ واللصق والتكرار.

أيها المسؤولون، إن زمن احتكار الخطاب قد ولى، والناس اليوم لا يُملى عليهم كما في السابق.

الخطباء الذين غادروا المساجد، صاروا يتحركون خارجها، وبعضهم خارج البلاد، وينشطون في الفضاء المفتوح بلا قيود ولا حواجز.

لهذا، فإن الواجب الآن هو إعادة النظر في هذه السياسة، بعقلانية وتواضع، لأن الاستمرار في هذا الاتجاه سيُضعف المنابر، ويُفرغها من رسالتها، ويُقصي أهلها.

وإن لم نُبادر بالمراجعة، فستُثبت الأيام أن ما رُجي من هذه الخطوة لم يتحقق، وأن ما خُطط له لم يُصب هدفه.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة