قراءة قانونية سريعة ومختصرة لقرار الإعفاء الصادر عن وزارة الأوقاف في حق ذ.بنعلي

05 أغسطس 2025 18:22

هوية برس – عبد المولى المروري

قراءة قانونية سريعة ومختصرة لقرار الإعفاء الصادر عن وزارة الأوقاف في حق الأستاذ محمد بنعلي

هذه قراءة قانونية متجردة لا تحابي أو تعادي أحدًا، إنما منطلقة من نصوص قانونية واجتهادات قضائية مغربية على حالات مماثلة. وإن كنت أتفق مع ما خلص إليه الدكتور أحمد الريسوني رغم أنه تناول جزئية واحدة متعلقة في غياب تعليل القرار، وإن كانت لدي بعض التحفظات على ما جاء في الكلمة التوضيحية للدكتور العلامة مصطفى بنحمزة الذي أكن له تقديرا ومحبة خاصة، ورغم أن المعني بهذا أجاب جوابا مؤدبا ومتحضرا يعكس سمو أخلاقه، فإن هذه القراءة مستقلة عن كل هذا، ونَظَرت إلى الواقعة نظرة موضوعية ومحايدة من باب أداء الشهادة والقيام بواجبي الحقوقي والقانوني..

أولًا: الوقائع العامة
بتاريخ 1 غشت 2025، صدر عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية قرار إداري يقضي بإعفاء الأستاذ محمد بنعلي من رئاسة المجلس العلمي المحلي لفجيج، على أن يدخل القرار حيّز التنفيذ بأثر رجعي ابتداء من 31 يوليوز 2025.
وقد استند القرار إلى:
الظهير الشريف رقم 1.03.300 الصادر في 22 أبريل 2004، المتعلق بإعادة تنظيم المجالس العلمية.
والظهير الشريف رقم 1.23.47 المؤرخ في 15 يونيو 2023، والمتعلق بتعيين بنعلي على رأس المجلس العلمي.
إلا أن الوقائع تُثبت أن:
– لم يُسبق القرار بأي تنبيه مكتوب أو شفوي.
– لم يُصدر في حق الأستاذ بنعلي أي توبيخ أو إنذار.
– لم تُفعَّل أي فترة توقيف احتياطي أو متابعة إدارية داخلية.
– بل جرى الانتقال مباشرة إلى الإعفاء النهائي من المهام.

ثانيًا: الإطار القانوني المنظّم
1. الظهير الشريف رقم 1.03.300:
يمنح وزير الأوقاف صلاحية تنفيذ السياسة الدينية وفق توجيهات المجلس العلمي الأعلى.
ينص على أن رؤساء المجالس العلمية يُعيّنون ويُعفون باقتراح من المجلس العلمي الأعلى وبظهير شريف أو قرار وزاري باسم الملك.
لا ينص على مسطرة تفصيلية للإعفاء، لكنه يُفهم ضمنيًا أن الإعفاء يجب أن يكون معللًا ومبررًا، ومرتبطًا بسلوك مهني أو إداري واضح.

2. الدستور المغربي (2011):
الفصل 118: يضمن الحق في الطعن في كل قرار إداري أمام القضاء الإداري.
الفصل 120: يضمن حق الدفاع ووجوب احترام المسطرة العادلة.
الفصل 27: يضمن الحق في المعلومة والشفافية الإدارية.

ثالثًا: أوجه الخلل القانونية والإجرائية في القرار

1. غياب التعليل في صلب القرار
القرار، كما هو ظاهر في الوثيقة، يتضمن مادة فريدة تقول فقط:
“يعفى السيد محمد بنعلي من رئاسة المجلس العلمي المحلي لفجيج.”
ولا يتضمن أي إشارة إلى:
– سبب الإعفاء.
– طبيعة المخالفة أو التقصير.
– الأسس الموضوعية التي بُني عليها القرار.
وهو ما يُخلّ بمبدأ التعليل الإلزامي، ويجعله عرضة للإلغاء من طرف القضاء الإداري باعتباره قرارًا مفتقدًا للمشروعية الشكلية والموضوعية.

2. عدم احترام مبدأ التدرج التأديبي
من حيث المبدأ، فإن اتخاذ قرار تأديبي بالإعفاء، يفترض أن يكون:
– مسبوقًا بإشعار أو توبيخ،
– أو مبنيًا على تقارير تقويمية واضحة.
– أو أن تكون هناك مسطرة إنذارية وتقييمية.
في هذه الحالة، انتقل القرار مباشرة إلى أقصى درجات التأديب (الإعفاء النهائي)، دون المرور بأي شكل من أشكال التنبيه أو التدرج، وهو ما يُعد إخلالًا بمبدأ التناسب والعدالة التأديبية، ما يُفقد القرار مشروعيته الإدارية، ويجعله قابلًا للإلغاء قضائيًا.
أ- ما هو التدرّج؟
هو أن تُراعي الإدارة في الإجراءات التأديبية تدرجًا معقولًا في نوع العقوبة، حسب درجة الخطأ وخطورته، بحيث لا تنتقل مباشرة إلى أقصى العقوبات (العزل أو الإعفاء) إلا بعد استنفاد العقوبات الأخف.
ب- درجات العقوبة التأديبية المعتادة في الأنظمة الإدارية الرشيدة:
– التنبيه أو الملاحظة الشفهية.
– التوبيخ المكتوب.
– الإنذار.
– التوقيف المؤقت عن المهام.
– الإعفاء أو العزل (كآخر درجة).
ج- ما وقع في هذه الحالة:
– تم تجاوز جميع المراحل التأديبية الوسطى.
– لم يصدر تنبيه أو توبيخ رسمي بحق بنعلي.
– لم يتم توقيفه مؤقتًا أو دعوته لتصحيح وضع المجلس.
– جرى الانتقال مباشرة إلى العزل النهائي من المنصب.
وهذا خرق صريح لمبدأ التدرج، ويُعد من أبرز مؤشرات الشطط في استعمال السلطة في الفقه الإداري.
د- في الاجتهاد القضائي المغربي والمقارن:
تُعد مخالفة مبدأ التدرج سببًا كافيًا لإلغاء القرار الإداري من طرف القضاء.
المحكمة الإدارية كثيرًا ما ألغت قرارات العزل حين لم تسبقها إنذارات أو مساطر تصحيحية.

مثال: المحكمة الإدارية بالرباط في حكم شهير سنة 2016 اعتبرت أن قرار التوقيف النهائي لموظف دون سلوك التدرج في العقوبة يخلّ بمبدأ العدالة الإدارية ويستوجب الإلغاء.

3. خرق حق الدفاع والإنصاف
لا توجد أي مؤشرات أو إشارات إلى:
– تمكين المعني من الاطلاع على التقرير التفتيشي.
– دعوته للاستماع إليه أو تمكينه من الرد.
– إشعاره بمحتوى المخالفات.
وهو ما يُعتبر خرقًا صريحًا لمبدأ الحق في الدفاع، المنصوص عليه في الدستور والمواثيق الدولية، مثل المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

4. غياب المسطرة المكتوبة والشفافة
لا يوجد نظام داخلي منشور يوضح:
– كيف يُعفى رؤساء المجالس العلمية.
– ولا ما هي معايير التقييم.
– ولا كيف تُمارَس صلاحيات المجلس العلمي الأعلى في هذا الصدد.
وبالتالي، فإن هذا القرار يعكس غيابًا لبنية مسطرية مؤسساتية واضحة داخل المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف، مما يُفقد القرار أي طابع قانوني مضبوط أو قابل للتدقيق.

5. أثر رجعي غير مبرر
صدر القرار بتاريخ 1 غشت 2025، على أن يُنفّذ بأثر رجعي ابتداء من 31 يوليوز 2025، أي قبل تاريخ القرار نفسه بيومين.
هذا التطبيق الرجعي للقرار يُخالف مبدأ الأثر الفوري للقرارات الإدارية، إلا في حالات استثنائية يجب أن تكون مبررة ومعللة بوضوح، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة.

رابعًا: التكييف القانوني للقرار
انطلاقًا من العناصر أعلاه، يمكن تكييف هذا القرار إداريًا على النحو الآتي:
– قرار إداري فردي نهائي صادر عن سلطة مختصة.
لكنه يشوبه:
– عيب التعليل.
– عيب مخالفة القانون (عدم احترام التدرج وحق الدفاع).
– عيب في الشكل (غياب البلاغ، المسطرة، والتبليغ السليم).
– شطط في استعمال السلطة (عدم التناسب بين الإجراء والمخالفة).
وهو ما يجعله قرارًا إداريًا غير مشروع قابلًا للإلغاء.

خامسا: غياب المسطرة القانونية الواضحة والمعلنة
في غياب أي نظام داخلي منشور يحدد:
– كيف تُجرى عمليات التفتيش؟
– كيف تُتخذ القرارات التأديبية في حق رؤساء المجالس العلمية؟
– ما هي صلاحيات المجلس العلمي الأعلى في المتابعة؟
– وما حدود تدخل وزارة الأوقاف؟
يبقى الإجراء برمته غامضًا، ويشوبه عيب في الشكل والإجراء، مما يخرق قاعدة: “لا عقوبة بلا مسطرة”

سادسا: التوصيات القانونية والإدارية

1. على المستوى القضائي:
من حق المعني بالأمر أن يتقدّم بـ طعن إداري أمام المحكمة الإدارية داخل أجل 60 يومًا من تاريخ العلم بالقرار.
يستند الطعن إلى:
– غياب التعليل.
– خرق الحق في الدفاع.
– عدم احترام التدرج.
– المسطرة غير المعلنة.
– الشطط في استعمال السلطة.
وقد قضت محاكم إدارية مغربية عديدة بإلغاء قرارات مماثلة حين ثبت غياب الإجراءات التصحيحية أو المسطرة القانونية الواضحة.

2. على المستوى الإداري:
مطالبة وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى بوضع نظام داخلي مكتوب ومنشور يحدد:
– معايير التقييم والتقويم.
– مساطر التأديب والإعفاء.
– ضمانات الاستماع والرد.

3. على المستوى المؤسساتي والحقوقي:
– إثارة النقاش العام حول ضرورة إصلاح بنية المجالس العلمية لجعلها أكثر شفافية وخاضعة للرقابة الإدارية والقضائية.
– التأكيد على ضرورة إخضاع قرارات التعيين والإعفاء لمبادئ العدالة الإدارية لا فقط للسلطة التقديرية.

سابعا: خاتمة
قرار إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفجيج، رغم صدوره بشكل رسمي وموقّع، يعاني من أعطاب قانونية جوهرية على مستوى:
– الشكل،
– التعليل،
– المسطرة،
– والعدالة الإدارية.

وإذا استمر هذا النمط من التدبير غير الشفاف داخل المؤسسات الدينية الرسمية، فذلك يُضعف ثقة المواطنين والعلماء في حيادية ونجاعة هذه المؤسسات، ويقوّض الأسس التي يُفترض أن تقوم عليها مهمة التأطير الديني والشرعي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة