لأول مرة في تاريخ الصراع مع إسرائيل توضع هذه الأخيرة في مأزق حقيقي

هوية بريس – إدريس الكنبوري
صرح مسؤول بحركة حماس بأنهم كانوا قريبين من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لولا نتنياهو والمبعوث الأمريكي ويتكوف. وهذا يوضح الأزمة الخانقة التي يوجد فيها إسرائيل وأمريكا. ما هي طبيعة الأزمة ولماذا خانقة؟
طبيعة الأزمة هي أنهم يريدون أن يكون هدف الاتفاق هو الإفراج عن الأسرى، ولكن حماس ستبقى موجودة بعد الإفراج عن الأسرى، لذلك ما إن يقتربوا من الاتفاق حتى يفهموا بأنهم لن يحققوا هدفهم الأصلي وهو القضاء على حماس.
لأول مرة في تاريخ الصراع مع إسرائيل توضع هذه الأخيرة في مأزق حقيقي، لأنه لأول مرة نجحت المقاومة في قلب التكتيك على إسرائيل. كانت السياسة الإسرائيلية دائما في الماضي تقوم على خلق واقع جديد فوق الواقع الأصلي وتجعل الفلسطينيين يبحثون عن حل مشكلة الواقع الجديد وينسون الأصلي.
المقاومة اليوم نجحت في هذا التكتيك، فقد كان هدف إسرائيل هو القضاء على حماس، لكن حماس خلقت لهم هدفا ثانويا فوق الهدف الأصلي هو الإفراج عن الأسرى، فأصبح الإفراج عن الأسرى هدفا أصليا، لكن إسرائيل كلما اقتربت من الهدنة تراجعت لأنها تدرك الفخ الذي وقعت فيه، كيف جعلنا هدفنا كله هو الإفراج عن الأسرى بينما حماس باقية؟
أنا لا أعتقد إطلاقا أن حماس تقرأ صراعها مع إسرائيل بغير القرآن. في الماضي كانت حركات المقاومة الفلسطينية تقرأ الصراع فقط من زاوية القانون الدولي أو الواقع السياسي فكان يسهل على أمريكا وإسرائيل التلاعب بها. لقد فهمت حماس لعبة خلق واقع جديد فوق الواقع الأصلي وتحريف الأنظار عن الواقع الأصلي من سورة البقرة.
تقص علينا سورة البقرة قصة بني إسرائيل مع جريمة القتل والبقرة ولون البقرة. هناك هدف أصلي هو معرفة الجاني، وأمر الله بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة وأن يضربوا الضحية ببعضها لكي يكشف هوية القاتل، لكن بني إصرائيل خلقوا واقعا جديدا فوق الواقع الأصلي هو الجدل حول لون البقرة التي سيذبحونها، تناسى الجميع أن هناك قتيلا يجب أخذ حقه وحولوا معركتهم إلى لون البقرة.
هذا التكتيك القديم هو ما تقوم به إسرائيل تماما وحرفيا منذ بدأ مسلسل التسوية، فقد كانت مثلا تتفق مع الفلسطينيين حول منحهم حكما ذاتيا، ثم تخلق لهم واقعا جديدا هو مشكلة المعابر، فتجعلهم يصارعون من أجل فتح معبر.
هذه الازدواجية بين الواقع الأصلي والواقع الفرعي في سياسات اليهود اليوم هي نفس الازدواجية بين الفطرة والتطبع، فنحن نتعامل مع اليهود في إسرائيل باعتبارهم متطبعين بينما هم في الحقيقة على فطرتهم، فطرة الخداع والمكر والغدر. وليس غريبا أن العلاقة مع إسرائيل تسمى تطبيعا، فهي الوحيدة في الدنيا التي تسمى العلاقات معها تطبيعا، بينما تسمى العلاقات مع باقي البشر ديبلوماسية، وهذا يعني أنهم غير طبيعيين وأن التعامل معهم خروج عن الطبيعة.



