“إسرائيل” لا تخشى تشويه صورتها إنما تخشى شاهد القبر!!

08 أغسطس 2025 17:24

هوية بريس – منى حوا

لماذا لا تكترث إسرائيل بالتقارير الإعلامية التي تصف ما يجري في غزة بالإبادة؟ ولماذا لا يفهم قادتنا أن صورة إسرائيل الإعلامية لا وزن لها في حسابات صانعي القرار فيها؟ متى سيفهم كل من هو طرف في هذه الإبادة أن “إسرائيل” لا تخشى ألف مانشيت إعلامي، إنما تخشى شاهد القبر؟ عقيدة “إسرائيل” المؤسِّسة التي صاغها دافيد بن غوريون أوّل رئيس وزراء وأبرز مؤسسيها، تقوم على أن (وجود إسرائيل أهم من صورتها). بن غوريون قال صراحة «لا يعتمد مستقبلنا على ما سيقوله الأغيار (غير اليهود)، بل على ما سيفعله اليهود». أي أن رأي العالم الخارجي لا قيمة له إذا تعارض مع ما تراه القيادة ضروريًا للبقاء.

منذ المحرقة النازية وحرب 1948 ترسّخ في الوعي الصهيوني أنها تخوض “صراع وجودي” يفرض أولوية مطلقة للأمن على أي اعتبار آخر، حتى لو شوّه ذلك صورتها. في الخمسينيات بلور بن غوريون عقيدة دفاعية بثلاث ركائز: الردع، والإنذار المبكر، والضربات الوقائية، بما يعني أن الحفاظ على الوجود يبرر إجراءات عنيفة رغم الإدانات الدولية قد ما تدوش إعلاميًا. وقد لخّصت غولدا مائير الفلسفة ذاتها بقولها “من الأفضل أن نُنْتقد في الصحافة على أن نُكتب لنا المراثي” في استعارة مجازية تشير إلى شاهد القبر الذي يُكتب عليه اسم الميت وتاريخه؛ أي أن إسرائيل تفضّل أن تُشتم وتُدان وهي على قيد الحياة على أن يُكتب نعيها على حجر قبر يعلن نهايتها. وكرر آخرون الفكرة نفسها: “من الأفضل أن نكون غير محبوبين من أن نكون أمواتًا”. أما نتنياهو فقالها أمام الأمم المتحدة بوضوح “من الأفضل لإسرائيل تحمّل صحافة سيئة على أن تقرأ تأبينًا جيدًا لها” هالرؤية المسنودة باستدعاء دائم للمحرقة وأسطورة قلعة مسادا، تجعل هاجس الوجود في قلب الهوية الإسرائيلية الرسمية، وتبرر في نظرهم كل ضرورة قاسية أو لا خيار آخر حتى لو حوّلت صورتهم إلى صورة دولة معزولة ومكروهة تتقدم بسحق جماجم الأطفال وتجويع النساء وحرق غزة وسواها.

صح في وقتنا الحالي وخاصة مع الإعلام الرقمي المفتوح بات من الصعب أكثر فأكثر التستر على الوقائع بالخطاب الدعائي التقليدي. ومع ذلك لا يبدو أن المؤسسة الصهيونية ستتخلى عن جوهر مقولة بن غوريون..فهي لا تزال ترى العالم من منظار (نحن في خطر دائم، وبالتالي نحن معذورون دائمًا). التحدي أمام الاحتلال هو كيفية المحافظة على تلك المعادلة في ظل عالم بدأ يدرك رواية الطرف الآخر ويشكك في سردية الضحية المطلقة. التوازن بين البقاء والصورة الذي أهملته إسرائيل طويلاً قد يفرض نفسه في نهاية المطاف لأن الدول كالأفراد بحاجة لسمعة حسنة لضمان شرعية وجودها لا مجرد قوة بقائها. بس حتى يحين ذلك، ستظل مقولة بن غوريون بوصلة ترشد سلوك دولة الاحتلال، تفسّر لنا قراراتها المتشددة وتحفّزنا أيضًا على فك شيفرة خطابها النقدي وتحليل دوافعه بجميع الأدوات الأكاديمية والنقدية المتاحة. صحيح صورة دولة الاحتلال اليوم دوليًا هي الأسوأ منذ نشأتها، لكن في المقابل، إسرائيل اليوم في أقصى توسع وامتداد عرفته منذ قيامها المزعوم. وهذه هي الحقيقة التي يجب جميعًا أن نتوقف عندها قبل تقديم أي “دوشة” أخرى على أنها انتصارات.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة